1 ـ شهادتهما معاً بالسبب:
أقول: ففي هذه الصورة قولان، نسب أوّلهما إلى الشيخ، والثاني إلى المشهور، وقد أشار المحقق قدّس سرّه إلى دليل كلّ منهما.
فدليل القول الأول:
ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام «إن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دابّة في أيديهما، وأقام كلّ واحد منهما البينة أنها نتجت عنده، فأحلفهما علي عليه السلام، فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل: فلو لم يكن في يد واحد منهما وأقاما البينة قال: أحلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين، قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً بينة، قال: أقضي بها للحالف الذي هي في يده»(1).
ومحل الإستدلال: «فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً بينة…».
وهل معنى ذلك أن بينة ذي اليد مقدّمة على بيّنة الخارج، أو أنه حينئذ يكون في الحقيقة من تكاذب البينتين فيتساقطان، ويقضى لصاحب اليد بعد حلفه لأنه مدعى عليه ولا يمين على المدعي؟ وجهان مبنيان على شمول أدلّة حجية البينة لصورة التكاذب وعدمه.
والأظهر هو الوجه الثاني، من جهة إيجاب الإمام عليه السلام الحلف أيضاً، فإنه لو كانت بينة ذي اليد حجة متقدمة على بيّنة المدّعي فلا حاجة إلى الحلف، فلزوم الحلف كاشف عن عدم حجية بينة المدعى عليه، أو حجيتها بمقدار صلاحيتها للمعارضة مع بينة المدعي، فيتساقطان، فإذا تساقطتا كانت مثل صورة عدم البينة، وعلى ذي اليد اليمين، فإذا حلف قضي له.
وهذا كلّه بناءاً على اعتبار الخبر كما تقدّم.
ومثله ما رواه غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن أمير المؤمنين عليه السلام اختصم إليه رجلان في دابّة كلاهما أقاما البينة أنه أنتجها، فقضى بها للذي هي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين»(2).
وهذا أيضاً ظاهر في التساقط كسابقه.
ودليل القول الثاني:
ما رواه منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قلت له: رجل في يده شاة، فجاء رجل فادّعاها وأقام البينة العدول أنها ولدت عنده لم يبع ولم يهب، وجاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول أنها ولدت عنده لم يبع ولم يهب، قال أبو عبد الله عليه السلام: حقها للمدعي ولا أقبل من الذي هي في يده بيّنة، لأن الله عزّ وجل أمر أن تطلب البينة من المدّعي، فإن كانت له بينة وإلا فيمين الذي هو في يده، هكذا أمر الله عزّوجل»(3).
وهذا الخبر يعارض خبر إسحاق، بناءاً على الوجه الأول، وبقطع النظر عن السند في كليهما، وحينئذ يرجع إلى العام كما هو القاعدة في كلّ مورد تعارض فيه دليلان خاصان، والعام هنا هو قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم «البينة على المدّعي واليمين على من أنكر» فإنه يدل على أنه لا تسمع بينة ذي اليد، لاشتماله على التفصيل القاطع للشركة، وهو يعم صورة ذكر السبب وعدمه مطلقاً.
فإذن، يحكم في هذه الصورة بتقديم بيّنة الخارج، ومن هنا قال المحقق قدّس سرّه: «وهو أولى» وهو المختار.
(1) وسائل الشيعة 27 : 250/2 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(2) وسائل الشيعة 27 : 250/3 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.
(3) وسائل الشيعة 27 : 255/14 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 12.