الكلام في:
التوصّل إلى الحق
إن كان الحق عقوبةً * إن كان ديناً حالات الغريم *
1 ـ إن كان الحق عقوبة:
الحق إما عقوبة وإما مال، فإن كان الحق عقوبة كالقصاص، فالأقوى وفاقاً للمسالك وغيرها ـ بل عن (الكفاية): لا أعرف فيه خلافاً ـ وجوب رفع الدعوى إلى الحاكم(1)، فإن ثبت دعواه وأصدر الحاكم الحكم جاز له أن يباشر القصاص على قول، وقيل: بل الأمر بيد الحاكم، فله أن يباشر بنفسه القصاص أو يأذن فيه لصاحب الحق أو يأمر به شخصاً آخر.
وأما إذا لم يتوفّر الحاكم أو تعذّر الوصول إليه فيجوز له أن يستوفي حقه، وهذه الصورة هي القدر المتيقن من إطلاق قوله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)(2).
فيكون الحاصل: عدم جواز مباشرة القصاص مع التمكّن من الرفع إلى الحاكم، خلافاً لصاحب (الجواهر) قدّس سرّه حيث استند إلى الآية المزبورة قائلاً بالجواز مطلقاً.
نعم، لا ريب في عدم مؤاخذة الحاكم لصاحب الحق إن باشر الأمر من دون إذنه، إذ لا إشكال في ثبوت هذا الحق له، لكن لمّا كان أمر الدماء خطيراً ولابدّ فيه من الإحتياط الشديد، نقول ـ تبعاً للأصحاب ـ بلزوم رفع القضية إلى الحاكم وإجراء الحكم بإذنه، حتى لا يلزم الفساد في المجتمع الإسلامي والهرج والمرج في البلاد، ويتأكّد ما ذكرناه فيما إذا علم بترتب المفسدة العظيمة، كوقوع المقاتلة بين طائفتين وإراقة الدماء المحترمة.
ومن جواز مباشرة الحاكم يظهر أنه لا يجب عليه أن يأذن لصاحب الحق بذلك إن راجعه في القضية، وإن كان ذلك حقاً ثابتاً له، خلافاً لصاحب (الجواهر) حيث قال بأن إطلاق السلطان للولي يقتضي مباشرته لا خصوص الحاكم(3).
ومن ذلك كلّه يظهر أن الحكم بوجوب الرجوع إلى الحاكم والإستيذان منه في إجراء القصاص حكمة يقصد منها دفع الفساد واختلال النظام في المجتمع الإسلامي، وعليه، فلو أمكن لولي المقتول أن يقتل القاتل بحيث لا يترتب على فعله مفسدة، جاز، كما هو الحال بالنسبة إلى الحقوق الماليّة كما سيأتي.
(1) مسالك الأفهام 14 : 68 ، مستند الشيعة 17 : 443 ، كفاية الأحكام 2 : 721.
(2) سورة الاسراء 17 : 33.
(3) جواهر الكلام 40 : 387.