و هل يقبل قول البائع لأحدهما؟
قال المحقق قدّس سرّه: «ولا يقبل قول البائع لأحدهما ويلزمه إعادة الثمن على الآخر، لأن قبض الثمنين ممكن، فتزد حم البيّنتان فيه»(1).
أقول: وحيث تساوت البينتان وحكم لمن خرج اسمه مع يمينه، فهل يقبل قول البائع لأحدهما؟ الظاهر: لا، إن كان بعد الحكم، لأنه حينئذ تزول يده وترتفع فلا اعتبار لإقراره.
لكن في (كشف اللثام): «ويحتمل القبول، فيكون المقرّ له ذا اليد، فتقدم بيّنته أو بينة الآخر على الخلاف»(2).
وفيه ـ كما في (الجواهر) ـ إن جزم المحقق قدّس سرّه وغيره بعدم قبول قول البائع مبني على أن ذلك قد كان منه بعد الحكم بمقتضى القرعة وبعد انتزاع الدار من البائع بالبيّنتين، فإنهما وإن اختلفتا في تعيين المالك، لكنهما متوافقتان على تحقق البيع لأحدهما وخروج الدار به عن ملك البائع، فلا وجه للاحتمال المزبور.
وعلى كلّ حال، يلزم البائع إعادة الثمن على المدّعي الآخر الذي لم تكن له الدار، لأن قبض البائع الثمنين من المدعيين ممكن، فتزدحم ـ أي تجتمع ـ البينتان فيه ، كما اجتمعتا في خروج الدار عن ملك البائع، بخلاف عقد البيع حيث قامت كلّ واحدة منهما على وقوعه مع كلّ واحد منهما دون الآخر.
ولو نكل من خرج اسمه بالقرعة حلف الآخر، كما تقدم.
قال المحقق: «ولو نكلا عن اليمين، قسّمت بينهما ويرجع كلّ منهما بنصف الثمن»(3).
أي: ولو نكل من أخرجته القرعة والطرف الآخر عن اليمين، قسّمت الدار بينهما على النصف، لما تقدم من أنه الحكم بالعدل، وعلى البائع إرجاع نصف كلّ من الثمنين إلى كلّ من المدعيين، وليس له إنكار الأخذ لإثبات البينتين ذلك.
وقال كاشف اللثام: «إلا إذا اعترفا أو اعترف أحدهما أو شهدت بيّنتاهما أو احداهما بقبض المبيع، فمن قبضه من بائعه باعترافه أو بشهادة بينة لم يكن له الرجوع عليه بشيء من الثمن، لثبوت استحقاقه له بالإقرار أو بالبينة، غاية الأمر إنه اغتصب منه نصف العين بعد ذلك»(4).
وقد سبقه إلى ذلك الشهيد الثاني في (المسالك)، فإنه قال في المسألة الآتية: «وحيث قلنا بثبوت الخيار على تقدير القسمة فذلك إذا لم تتعرّض البينة لقبض المبيع ولا اعترف به المدّعي، وإلا فإذا جرى القبض استقرّ العقد وما يحدث بعده فليس على البائع عهدته»(5).
وسبقهما إليه العلامة في (التحرير)(6).
واعترضه في (الجواهر) بقوله: «وفيه: إن الإعتراف بالقبض أو ثبوته بالبينة لا ينافي الرجوع بالثمن بعد ثبوت استحقاق المبيع لغير البائع بالبينة، كما هو واضح، اللهم إلا أن يقال: إن عدم الرجوع بعد القبض لتركهما اليمين باختيارهما، ولكن ذلك غير موافق لما سمعته من التعليل، بل لا يتمّ فيما سمعته من كشف اللثام أخيراً، على أن ترك اليمين إن كان مقتضياً لذلك فلا فرق فيها بين قبل القبض وبعده»(7).
أقول: والأقرب هو الأول، فلو اشترى مالاً من بائعه وقبضه وأقبض الثمن ثم تركه أمانة عند البائع، فأقام رجل البينة لدى الحاكم على أنه قد اشترى المال منه وحكم الحاكم بدفع المال إليه، لم يكن للمشتري الأول مطالبة البائع بالمال ولا بالثمن، لأنه مال قد تلف بعد القبض فهو من مالكه لا من مال البائع. نعم، لو كانت العين باقية عند البائع من دون إذن المشتري فهو لها ضامن، لكن بدليل: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» وهذا بحث آخر.
وقول صاحب (الجواهر): «إن الإعتراف… لا ينافي الرجوع بالثمن بعد ثبوت استحقاق المبيع لغير البائع بالبينة».
فيه: إنه خروج عن فرض القوم، وهو الإعتماد على إقرار المشتري، ولم ينكشف خلاف.
وقوله: «على أنّ ترك اليمين إن كان مقتضياً لذلك فلا فرق فيها بين قبل القبض وبعده».
فيه: إن كون التلف قبل القبض من البائع وبعده من المشترى أمر لا ريب فيه، لكن كونه من مال البائع قبل القبض مشروط بعدم كون التلف حينئذ مستنداً إلى المشتري وإلا فيكون في ماله… إلا أن في صدق «الإتلاف» على النكول عن «اليمين» تأملاً.
(1) شرائع الإسلام 4 : 114.
(2) كشف اللثام 10 : 218.
(3) شرائع الإسلام 4 : 114.
(4) كشف اللثام 10 : 218.
(5) مسالك الأفهام 14 : 111 ـ 112.
(6) حيث قال: « ولو نكلا قسمت العين بينهما وليس لأحدهما الرجوع على بايعه بشيء إن كانا قد اعترفا بقبض السلعة من البائع لاعترافه بسقوط الضمان عن البائع » تحرير الأحكام 5 : 201/6557.
(7) جواهر الكلام 40 : 465.