هل يشترط إصلاح العمل زيادة عن التوبة؟
قال المحقق قدّس سرّه: «وفي اشتراط إصلاح العمل زيادة عن التوبة تردد، والأقرب: الإكتفاء بالإستمرار، لأن بقاءه على التوبة إصلاح ولو ساعة»(1).
أقول: الأصل في هذا قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ)(2) ولم تذكر الآية شيئاً زائداً على «الإصلاح» فقيل: العطف تفسيري ولا يشترط شيء زائداً على التوبة(3)، وقيل: يشترط إصلاح العمل زيادة عن التوبة(4)، فقيل: يكتفى في إصلاح العمل بالاستمرار على التوبة(5)، وقيل: المراد إصلاح الحال والنفس بمنعها عن ظهور ما ينافي العدالة(6).
قال في (الجواهر): التأمل الجيّد يقتضي كون المراد بالإصلاح إكذاب نفسه بين الناس الذي يكون به إصلاح لما أفسده من عرض المقذوف بقذفه، وذلك لظهور النصوص أو صراحتها في مغفرة ذنب القاذف بالتوبة وإكذاب نفسه، وأنه لا يحتاج بعد ذلك إلى أمر آخر، والآية ذكرت التوبة والإصلاح، فيعلم حينئذ كون المراد ذلك، لأن كلامهم عليهم السلام كالتفسير لها(7).
أقول: ليس ظاهر النصوص ـ فضلاً عن صراحتها ـ ما ذكره رحمه الله، ففي خبر القاسم بن سليمان: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدّاً ثم يتوب ولا يعلم منه إلا خير، أتجوز شهادته؟ قال نعم، ما يقال عندكم ؟ قلت: يقولون: توبته فيما بينه وبين الله تعالى ولا تقبل شهادته أبداً. فقال: بئسما قالوا، كان أبي يقول: إذا تاب ولم يعلم منه إلاخير جازت شهادته»(8) وظاهره اعتبار شيء زائداً على التوبة، فيعلم حينئذ كون المراد من «الإصلاح» في الآية «أن لا يعلم منه إلا خير» بعد التوبة، لأن كلامهم عليهم السلام كالتفسير لها.
فظهر اشتراط اعتبار ذلك زيادة عن «التوبة»، خلافاً لمن نفى ذلك، وأن العطف ليس تفسيرياً، خلافاً لمن احتمله، وأنه لا يكفي في ذلك الاستمرار على التوبة ولو ساعة، خلافاً للمحقق وغيره، والقول بأن المراد أن لا يعلم منه إلا خير قبل التوبة، خلاف ظاهر الخبر.
فالحق هو القول باشتراط إصلاح العمل زيادة عن التوبة(9).
ثم إن هذا الخبر بناء على تماميّة سنده يقيّد الأخبار المطلقة الدالّة على جواز شهادته بتوبته المجردة المتحققة بإكذاب نفسه، كما عرفت ظهور الآية الكريمة في اشتراط «الإصلاح» بالمعنى المذكور زيادة عن التوبة، ولا أقل من احتفاف تلك الأخبار بما يصلح للقرينية، فلا يصح التمسك بإطلاقها.
قال المحقق: «ولو أقام بيّنة بالقذف أو صدّقه المقذوف فلا حدّ عليه ولا ردّ»(10).
أقول: أي: لو أقام القاذف بينة بما صدر منه من القذف أو صدّقه المقذوف، فلا حدّ عليه ولا تردّ شهادته، وهو واضح.
(1) شرائع الإسلام 4 : 128.
(2) سورة النور 24 : 5.
(3) كشف اللثام 10 : 290.
(4) كتاب الخلاف 6 : 264 المسألة 13 ، السرائر 2 : 116 و3 : 522.
(5) مختلف الشيعة 8 : 481 ، مسالك الأفهام 14 : 175.
(6) رياض المسائل 15 : 280.
(7) جواهر الكلام 41 : 41.
(8) وسائل الشيعة 27 : 383/2 . كتاب الشهادات ، الباب 36 .
(9) أقول : توضيح ما ذكره السيد الاستاذ هو : إن الآيات التي جاء فيها « الإصلاح » بعد « التوبة » على طوائف :
منها: الآية المذكورة في صدر المسألة وهي في سورة النور: 5 (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الُْمحْصَنَاتِ … إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا …) وقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ … فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ …) وقوله: (… أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَة ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ …).
ومنها: الآية في سورة آل عمران: 89: (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ … إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ …) ونحوها.
ومنها: الآيات الكثيرة التي جاء فيها « العمل الصالح » بعد الإيمان « والتوبة ».
والمستفاد من مجموعها أن التوبة لا تتحقق أو لا تكمل إلا بالإصلاح الذي هو ضد الإفساد، فلابد من إصلاح العبد ما بينه وبين مولاه بالدخول في الصلاح والقيام بالصالحات، حتى لا يعلم منه إلا خير، وهذا هو ظاهر الطائفتين الثانية والثالثة من الآيات.
إلا أن الطائفة الاولى امتازت ببيان اشتراط التوبة عن تلك الذنوب الخاصة وهي ارتكاب « رمي المحصنات » و « السرقة » و « السوء » بإصلاح ما أفسد في تلك الموارد، بالإصلاح المناسب لكل منها، ومن الواضح أن إصلاح ما أفسده في مورد آية رمي المحصنات يكون بإكذاب نفسه بين الناس، وبه صرحت النصوص.
فالعمل الصالح زيادة عن التوبة شرط، وقد يشترط بالإضافة إلى ذلك في بعض الموارد إصلاح خاص.
(10) شرائع الإسلام 4 : 128.