هل اليد من المرجحات؟
ثم ذكر العلامة السبب الثاني من أسباب ترجيح احدى البينتين على الاخرى بقوله: «الثاني: اليد، فتقدم بينة الداخل على الخارج على رأي، والأقوى العكس».
أي: فتكون اليد سبباً لتقدم بينة الداخل على بينة الخارج، على رأي بعض الأصحاب القائلين بحجية بينة ذي اليد، واختار قدّس سرّه العكس، وهو تقديم بينة الخارج فلا تكون اليد مرجحة، لما تقدم من عدم حجية بينة ذي اليد، لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم «البينة على المدعي واليمين على أنكر» فلا تسمع بيّنته حتى تكون يده مرجحة لها.
ثم ذكر قدّس سرّه هنا فروعاً، فقال:
«إلا أن يقيمها بعد بينة الخارج على إشكال، فلو ادّعى عيناً في يد غيره فأقام بينة فأخذها منه، ثم أقام الذي كانت في يده أنها له، نقض الحكم وأعيدت إليه على إشكال»(1).
قال كاشف اللثام: «من انقلاب الداخل خارجا، والعكس بإقامة الخارج البينة بالحكم فيها، وهو اختيار الشيخ، ولكن بناء على تقديم بينة الداخل لانكشاف بينته لذي اليد. ومن اتحاد الدعوى، فلا يختلف الحال بتأخير إقامة البينة وتقديمها، واليد الطارية لإقامة البينة لا دلالة لها على شيء، وهو الأقوى»(2).
وتبعه صاحب (الجواهر) حيث قال: «وفيه أيضاً مالا يخفى، ضرورة اقتضاء ذلك التسلسل المنافي لحكمة القضاء الذي هو الفصل بين المتخاصمين، والفرض أنها دعوى واحدة، فالمتّجه عدم سماعها مطلقاً»(3).
لكن في (كشف اللثام): «نعم، لو رافع إلى حاكم لا يعلم بالحال، فلا إشكال في الإعادة إليه»(4).
ثم قال العلامة: «ولو أراد ذو اليد إقامة البيّنة قبل ادعاء من ينازعه للتسجيل، فالأقرب الجواز»(5).
وجه القول بالجواز هو: أن التسجيل ـ أي إثبات ملكيته وثبته في سجلّ الدعاوى لدى الحاكم ـ غرض مقصود، فربما احتاج إلى الإثبات في المستقبل ولا يمكنه لعدم حضور الشاهدين أو موتهما أو غير ذلك.
وذكر شراح (القواعد) للعدم وجهين، أحدهما: إنه لا بينة إلا على خصم، والآخر: إن الملك ثابت له بدون البينة بمجرد اليد والتصرف مع انتفاء المنازع، فلا فائدة للبينة، وتحصيل الحاصل محال(6).
وقد أجابوا عن الوجهين: بأن التسجيل فائدة عقلائية، ولا مانع من إقامة البينة مع عدم الخصومة الفعلية حيث يحتمل تحققها في المستقبل وعدم تمكنه من إثبات دعواه حينذاك بسبب من الأسباب.
قلت: والأقرب هو الجواز، والفرع يبتني على القول بحجية بينة الداخل كما لا يخفى.
ثم قال العلامة: «ولو أقام بعد الدعوى لإسقاط اليمين جاز»(7).
أقول: وهذا أيضاً مبني على حجية بينة ذي اليد كما ذكرنا.
ثم قال: «ولو أقام بعد إزالة يده بينة الخارج وادعى ملكاً سابقاً، ففي التقديم بسبب يده التي سبق القضاء بإزالتها إشكال»(4).
في (كشف اللثام): «من سبق يده وأنه الداخل والبينة تشهد له بالملك المستند إلى ذلك الزمان. ومن كون تلك اليد قد اتصل القضاء بزوالها، أما لو أقام البينة بعد القضاء للخارج قبل إزالة اليد فهي بينة الداخل»(8).
وفيه: ـ كما في (الجواهر) ـ ما لا يخفى، من أنه ليس من الداخل على التقديرين، بل قد عرفت عدم سماع دعواه لانقطاعها بالقضاء للخارج(9). نعم، إذا كانت بينة الداخل حجة وتقدّم على بينة الخارج، فالظاهر التقديم، لأن بيّنته حينئذ تشهد بأن العين قد اُخذت منه واُزيلت يده عنها ظلماً.
ثم قال العلامة: «وإذا قدمنا بيّنة الداخل فالأقرب أنه يحتاج إلى اليمين»(10).
قال في (الجواهر): كأنه مناف لما ذكره سابقاً من إسقاطها اليمين، اللهم إلا أن يفرق بين معارضة البينة وبين معارضة مجرّد الدّعوى، فتسقط على الأول، فيبقى استحقاق اليمين بحاله بخلاف الثاني(11).
قلت: لكن لا يبقى حينئذ أثر لليد.
ثم قال العلامة ـ بشرح الفاضل الهندي ـ: «وإذا قامت البينة على الداخل أو أقرّ فادّعى الشراء من المدعي أو ثبت الدين عليه ببينة أو إقرار فادّعى الإبراء، فإن كانت البينة بدعواه حاضرة سمعت قبل إزالة اليد وتوفية الدين، وإن كانت غائبة طولب في الوقت بالتسليم، لثبوت الاستحقاق شرعاً من غير ظهور معارض ، وليس له المطالبة بكفيل، للأصل.
ثم إذا أقام البينة استرد، و ربما احتمل العدم والتأجيل ثلاثة أيام، كما هو حكم مدعى جرح الشهود، ولكنه واضح الضعف».
قال: «ولو طلب الإحلاف أنه لم يبعه منه أو لم يبرء، قدم على الاستيفاء لكونه كحضور البينة»(12) فإن حلف ذاك استوفى العين وإن نكل أُبقيت في يد هذا.
ثم قال العلامة: «ولو اعترف لغيره بملك لم تسمع بعده دعواه»(13) لكونها إنكاراً بعد الإقرار، فإن ادّعى بعد ذلك شرائها مثلاً منه سمعت هذه الدعوى، لعدم منافاتها لإقراره السابق، فإن أقام البينة حكم له وإلا حلف الطرف الآخر وأُبقيت في يده.
أما لو ثبت كون العين لغيره لا باعترافه بل ببينة ذاك أو حلفه، سمعت دعواه كونها ملكاً له، للفرق بين ثبوت الملك للآخر بالإقرار والثبوت بالحجة.
(1) قواعد الأحكام 3 : 488 ـ 489.
(2) كشف اللثام 10 : 254.
(3) جواهر الكلام 40 : 434.
(4) كشف اللثام 10 : 255.
(5) قواعد الأحكام 3 : 489.
(6) إيضاح الفوائد 4 : 410.
(7) قواعد الأحكام 3 : 489.
(8) قواعد الأحكام 3 : 489.
(9) كشف اللثام 10 : 255.
(10) جواهر الكلام 40 : 435.
(11) قواعد الأحكام 3 : 489.
(12) جواهر الكلام 40 : 435.
(13) كشف اللثام 10 : 256.
(14) قواعد الأحكام 3 : 489.