الكـلام في:
بعض أحكام القسمة
«القسمة» معاملة مستقلة لها أحكامها الخاصّة، وقد تعرّض الأصحاب قدّست أسرارهم لها في كتاب الشركة، وذكروا بعضها في كتاب القضاء من جهة استحباب أن يكون للحاكم قاسم يقسم الأموال المشتركة بين الشركاء، لتوقف فصل الخصومة على القسمة في كثير من الأحيان.
مشروعيّة القسمة:
ومشروعية القسمة بأن تكون معاملة كالمعاملات الاخرى ثابتة بالكتاب والسنّة، ففي القرآن الكريم: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ)(1) إذ المستفاد من هذه الآية المباركة إمكان تمييز السهام بعضها عن بعض بالقسمة، من دون حاجة إلى أن يبيع بعض الشركاء سهمه من بعض لتحقق الفرز وتعيين الحصص في المال، فالآية ظاهرة في تشريع القسمة، لأن تكون طريقاً للوصول إلى هذا الغرض وإلا قال ـ مثلاً ـ: وإذا حضر البيع أو الصلح…
وذكروا أيضاً قوله عز وجل: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ)(2) ولكن في دلالتها على تشريع القسمة نظر، لأن الماء كان لهم خاصة ولم يكن مشتركاً، وقد أمر سبحانه بجعل قسم من الماء للناقة.
ومن السنّة: ما روي من أن «عبد الله بن يحيى» كان قسّاماً لأميرالمؤمنين(3)وقد قسّم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خيبر على ثمانية عشر سهماً(4)، وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة»(5). قال في (الجواهر): «وغير ذلك من النصوص، وإجماعاً بقسميه، بل ضرورة»(6).
ثم إن القسمة تارة: تكون بإفراز الحصص بعضها عن بعض، واخرى: تكون قسمة مهاياة، بمعنى تقسيم الإنتفاع من الشيء المشترك بحسب الأزمنة، كالدابّة المشتركة بين اثنين يستعملها هذا يوماً وذاك يوماً.
(1) سورة النساء 4 : 8.
(2) سورة القمر 54 : 28.
(3) سنذكر ترجمة هذا الرجل قريباً.
(4) المبسوط في فقه الاماميّة 8 : 133.
(5) سنن البيهقي 6 : 102.
(6) جواهر الكلام 40 : 326.