مسائل
المسألة الاولى
(في عدم قبول شهادة المخالف في اُصول العقائد)
قال المحقق قدّس سرّه: «كلّ مخالف في شيء من اُصول العقائد تردّ شهادته، سواء استند في ذلك إلى التقليد أو إلى الإجتهاد»(1).
أقول: قال في (المسالك): «المراد بالاصول التي تردّ شهادة المخالف فيها: اُصول مسائل التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، وأما فروعها من المعاني والأحوال وغيرهما من فروع علم الكلام، فلا يقدح الإختلاف فيها، لأنها مباحث ظنية، والإختلاف فيها بين علماء الفرقة الواحدة كثير شهير، وقد عدّ بعض العلماء جملة مما وقع الخلاف فيه منها بين المرتضى وشيخه المفيد، فبلغ نحواً من مائة مسألة فضلاً عن غيرهما»(2).
وفي (الجواهر) شرح العبارة بحيث تعمّ الفروع الإعتقادية أيضاً، لكن مقيدةً بكونها مما علم ضرورة من الدين أو المذهب، قال: «لاشتراك الجميع في عدم المعذورية الموجبة للكفر فضلاً عن الفسق»(3) فيكون المراد من الفرع: الفروع المسلّمة الضرورية، ولا ريب في أن من خالف في شيء من هذه الفروع تردّ شهادته، بل يخرج بمخالفته عن الدين أو المذهب، كالقائل بالتجسيم والقائل بالجبر ونحوهما.
وفي (العروة): «لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب، وأما المجسّمة والمجبّرة والقائلين بوحدة الوجود من الصوفيّة إذا التزموا بأحكام الإسلام، فالأقوى عدم نجاستهم، إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد»(4).
ولا ريب في أن المسائل التي وقع الخلاف فيها بين العلماء والتي يقول صاحب (المسالك) بعدم قدح الخلاف فيها، ليست من فروع الإعتقادات الضرورية، بل هي مباحث ظنية كما قال… فإن أراد الشهيد الثاني ما ذكرنا فهو، وإلا ورد عليه إشكال (الجواهر).
قال المحقق: «ولا ترد شهادة المخالف في الفروع من معتقدي الحق إذا لم يخالف الإجماع، ولا يفسق وإن كان مخطئاً في اجتهاده»(5).
أقول: إن الخلاف في الفروع الفقهية لا يضرّ بالعدالة ولا بالشهادة، إذ قد يؤدي إلى ذلك الإجتهاد والنظر في الأدلّة وهي كلّها ظنية، إما سنداً كما في السنّة، وإما دلالة كما في الكتاب.
هذا، إلا إذا كانت مخالفته مخالفة للإجماع الثابت المعلوم دخول المعصوم عليه السلام في المجمعين، وكذا إذا خالف الحكم المقطوع به بحيث يقطع بقبول المعصوم له، كما إذا كان مما يستقلّ به العقل، فإن مثل هذا الحكم لا ريب في قبوله له، لأنه يكون مورد قاعدة الملازمة: «كل ما حكم به العقل حكم به الشرع»(6) أو يكون الحكم مما اتفق عليه فقهاء الفرقة المحقة واستقرت عليه كلمتهم مع اختلاف الأعصار والأمصار، بناءاً على أن مثل ذلك كاشف عن الواقع الذي لم يتخلّف عنه المعصوم عليه السلام، فإن مثل هذا الحكم لا يجوز مخالفته لكشفه عن رأي المعصوم، بل لا يجوز مخالفة كلّ إجماع كان عن اجتهاد صحيح ويكشف عن وجود دليل معتبر لا يجوز مخالفته باجتهاد.
ومثل الإجماع المذكور في ذلك مخالفة صريح الكتاب ونصّه أو الخبر المتواتر المعلوم.
(1) شرائع الإسلام 4 : 127.
(2) مسالك الأفهام 14 : 172.
(3) جواهر الكلام 41 : 34.
(4) العروة الوثقى 1 : 145 المسألة 3.
(5) شرائع الإسلام 4 : 127.
(6) هداية المسترشدين 3 : 503.