مسائل ثلاث
المسألة الاولى
(حكم ما لو أقر المحكوم عليه أو أنكر)
قال المحقق: «إذا أقرّ المحكوم عليه وأنه هو المشهود عليه أُلزم، ولو أنكر وكانت الشهادة بوصف يحتمل الإتفاق غالباً، فالقول قوله مع يمينه ما لم يقم المدّعي بينة، وإن كان الوصف ممّا يتعذّر اتفاقه إلا نادراً لم يلتفت إلى إنكاره، لأنه خلاف الظاهر»(1).
أقول: لما قامت الشهادة، فإما يقرّ المحكوم عليه وأنه هو المشهود عليه، فيلزمه الحاكم بأداء ما عليه بلا إشكال، وبلا خلاف كما في (الجواهر)(2).
وإما ينكر، وحينئذ، فإن كانت الشهادة بوصف يحتمل الاتفاق عليه وعلى غيره ـ كما لو جاء في الشهادة على الحكم بأن محمد بن أحمد مدين لفلان كذا، فإنه يحتمل الإتفاق على هذا الشخص وعلى غيره بكثرة ـ سمع قوله مع يمينه، إلا إذا أقام المدّعي بيّنة على أن هذا هو المقصود.
وعن بعضهم: بطلان أصل الحكم على عنوان مشترك، كما في المثال المذكور.
وإن كانت الشهادة بوصف يتعذر اتفاقه إلا نادراً ـ كما إذا قالت بأن فلان ابن فلان صاحب الصفة الكذائية والمهنة الفلانية ـ لم يلتفت إلى إنكاره الحكم عليه، بلاخلاف بين من تعرّض لذلك كما في (الجواهر)، وذلك لأنه خلاف الظاهر.
هذا، وفي المسألة تفصيل، لأنه إذا أنكر كونه المحكوم عليه، فتارة: يدّعي المدّعي كونه هو على التعيين، وحينئذ، ليس للحاكم الثاني إنفاذ حكم الأول في حق هذا الشخص، بل تجري أحكام المدعي والمنكر. وأخرى: يتردّد المدّعي بين هذا وشخص آخر يشترك معه في الاسم والوصف، فإن كان هذا التردّد من المدّعي من أول الأمر، كان المورد من فروع مسألة الدعوى على المردد، كدعوى ولىّ المقتول بأن أحد هذين قاتل أبي، وفي صحة هذه الدعوى بحث وخلاف، وبناء على صحّتها، يطالب المدّعي بالبينة، ومع عدمها يحلف الرجلان إن كانا حاضرين أو الحاضر منهما، ومع الامتناع تردّ اليمين على المدعي.
ولو شهد الشاهدان على معين، وحكم الحاكم عليه بأداء الحق ثم اشتبه، فلا ريب في صحة الحكم، فإن وقع الإشتباه من عدم ذكر الحاكم الأول للأوصاف والمشخصات بالتفصيل، جاء ما ذكره المحقق من أنه إن كانت الشهادة بوصف يحتمل الاتفاق… بخلاف ما لو كان الوصف مما يتعذّر اتّفاقه إلا نادراً وقد ذكره الحاكم الأول بالتفصيل، فإنه لا يلتفت إلى إنكاره، لأنه خلاف الظاهر، وإن كان سماع دعواه انطباق الاسم والوصف فعلاً على غيره غير بعيد.
قال المحقق: «ولو ادّعى أن في البلد مساوياً له في الاسم والنسب، كلّف إبانته في إثباته، فإن كان المساوي حيّاً سئل، فإن اعترف أنه الغريم اُلزم واُطلق الأول، وإن أنكر وقف الحكم حتى يتبيّن»(3).
أقول: وقوف الحكم بمجّرد دعوى أن المحكوم عليه شخص آخر غيره ـ مع إنكار ذلك الشخص ـ في غاية الإشكال، أللهم إلا أن يقال بأن الدعوى كانت على كلّي المسمّى بهذا الاسم وقد صدر الحكم عليه كذلك، ثم اشتبه المصداق الحقيقي بغيره، لكن صحّة الدّعوى على الكلّي المردّد محلّ خلاف. هذا كلّه مع كونه حيّاً.
قال المحقق: «وإن كان المساوي ميتّاً وهناك دلالة تشهد بالبراءة، إمّا لأن الغريم لم يعاصر، وإما لأن تاريخ الحق متأخر عن موته، اُلزم الأول وإن احتمل وقف الحكم حتى يتبيّن»(4).
أقول: وهذا أيضاً مشكل، بعد كون المدّعي قد خصّ هذا الشخص في الدعوى، وأُقيمت عليه الشهادة وصدر الحكم.
وقد فصّل بعضهم بين ما إذا ذكر الاسم والوصف، وكان الوصف محتملاً للاتفاق فيه مع غيره من أول الأمر، وبين ما إذا كان متعذراً اتّفاقه من أول الأمر ثم اتفق بعد ذلك، فحكم بالبطلان في الأول دون الثاني.
(1) شرائع الإسلام 4 : 99.
(2) جواهر الكلام 40 : 322.
(3) شرائع الإسلام 4 : 99.
(4) شرائع الإسلام 4 : 99.