متى يحصل التعارض؟
وقد ذكر المحقق قبل بيان الصور وأحكامها ـ كيفية تحقق التعارض في الشهادة والمراد منه، بأن ذلك يتحقق «مع تحقق التضاد» بين البينتين، بأن لا يمكن التوفيق بينهما بنحو من الأنحاء، «مثل أن يشهد شاهدان بحقّ لزيد ويشهد آخران أن ذلك الحق بعينه لعمرو، أو يشهدا إنه باع ثوباً مخصوصاً لعمرو غدوة، ويشهد آخران ببيعه بعينه لخالد في ذلك الوقت» بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، كما إذا شهد شاهدان بملك أحدهما للثوب أمس ويشهد آخران بملك الآخر له اليوم، فإنه حينئذ يعمل بالبينة الثانية لإمكان صدقهما معاً.
وقد يتحقق التكاذب بين البيّنتين، وهو تارة: يكون بتكذيب احدى البينتين للأخرى مع غض النظر عن الواقع مطلقاً، كأن تشهد هذه بأن زيداً أوصى قبل وفاته بكذا وأنهما كانا حاضرين عنده حينذاك، فيقول الآخران بأنهما لم يكونا عند زيد في الزمان المذكور، فهما يكذّبانها من غير تعرّض منهما لواقع القضية وأنه هل أوصى زيد بكذا أولا؟
وأخرى: يكون التكذيب بالنسبة إلى الواقع فيقولان: لم يوص زيد بكذا، وأن ما شهدت به البينة الاولى مخالف للواقع، إلا أنهما قد لا يكذّبان تلك البينة، لاحتمال اشتباه الشاهدين وعدم تعمّدهما للكذب.
هذا، وقد وقع البحث بين الأصحاب في الفرق بين التعارض والتكاذب موضوعاً وحكماً، فعن العلامة في محكي (القواعد) التصريح بكون التكاذب غير التعارض، والجزم بكون الحكم فيه هو التساقط مطلقاً(1)، بخلاف التعارض، وعن الشيخ إجراء حكم التعارض عليه إن كان من قبيل الصورة الثانية(2)، والأول أولى.
(1) قواعد الأحكام 3 : 488.
(2) المبسوط في فقه الامامية 8 : 262.