لو كان المقرّ له غائباً
هذا كلّه، فيما إذا كان المقرّ له حاضراً. قال في (الجواهر) ثم الحكم في المقرّ له الغائب كالحكم في الحاضر، بالنسبة إلى تصديقه وتكذيبه، وللمدّعي إقامة البينة وأخذه قبل معرفة حاله، ولكن هو من الحكم على الغائب، فينبغي مراعاة شروطه السابقة، كما له أيضاً إحلافه على عدم العلم، نحو ما سمعته في الحاضر(1)، أي بناء على أن للمدّعي حق التحليف عليه، كما عليه المشهور وأحد قولي الشيخ.
فإن نكل عن اليمين على نفي العلم، فإن لم يقرّ ولم يردّ اليمين أُحلف المدّعي، فإن حلف فهل ينتزع العين ويغرم؟ قال في (القواعد): الأقرب الثاني(2).
فيكون نظير ما إذا أقرّ بكون العين لزيد ودفعت إليه ثم أقرّ بكونها لعمرو فيغرم له بدل الحيلولة، ولا يبعد أن يكون الحكم كذلك إن أثبت المدّعي الحق بالبينة، ولو استرجع العين من الغائب ودفعها إلى المدّعي وجب عليه ـ أي على المدّعي ـ ردّ المال الذي أخذه بدل الحيلولة.
وحيث يدّعي كونها لغائب، فإن ادّعى استيجاره العين منه مثلاً، فالحكم قبول قوله، نظير قول ذي اليد، فإن أثبت المدّعي كون المال ملكه، فقد ظهر بطلان الإجارة، وإن لم يتمكن من ذلك اُحلف المدّعى عليه على الإجارة وأُبقيت العين بيده.
ولو أقام البينة على الإجارة، فبناء على سماعها منه، هل تقدّم بيّنته على بينة المدعي باعتضادها باليد أولا؟
في القواعد: إشكال(3).
قلت: لا إشكال في أن بينة المدّعي من بينة الخارج، فيحتمل أن تكون بينة الآخر من بينة الخارج أيضاً، لكونه مقرّاً بعدم كونها له، فيتساقطان، ويحتمل أن يكون نفسه ذا يد لكونها بيده الآن فتكون من بينة الداخل، فعلى القول بتقدم بينة الخارج فالأمر واضح، وعلى القول بتقدم بينة ذي اليد ـ لحجيتها وتأيدها باليد ـ قدّمت، وهذا وجه توقف العلامة.
لكن في (الجواهر): الأقرب أنهما معا خارجان(4).
قلت: لكن جعل بينة من له الانتفاع بما في يده من بينة الخارج، بعيد جدّاً.
وإن لم يكن مدّعياً للإجارة مثلاً، فهل له إقامة البينة كذلك أو لا، لكونه أجنبياً؟ قال العلامة: يمكن أن يكون طرفاً للخصومة بدعوى المدعى عليه العلم بكونها له، فيحلّفه على نفي العلم، فله أن يقيم البينة حتى يدفع عن نفسه وجوب اليمين، وإن كانت البينة تشهد بكون ملك العين للمقرّ له…
واختار في (الجواهر) عدم الجواز، فإنه إذا ثبت بالبينة كون العين للمقرّ له، فلا مجال لليمين على نفى العلم، وأيضاً: لما كان ملك المقرّ له ثابتاً بالبينة، فلا أثر للإقرار في إثباته حتى يدّعي عليه المدعي الإتلاف بالإقرار.
قلت: لكن الصحيح ما ذهب إليه العلامة، لأنه ـ بناء على حجية بينة الداخل ـ إن لم يكن عنده بينة كان عليه اليمين على نفي العلم، وإن كان له بينة جاز له إقامتها على إثبات ملك المقرّ له لتؤثر في سقوط اليمين عنه، اللهم إلا أن لا يكون هذا الأثر مجوّزاً له لإقامة البينة على ملك المقرّ له، إذ لا معنى لأن يقيم أحد بينة على ملك غيره.
نعم، يبقى الإشكال في أنه لا ملازمة بين ثبوت ملك الآخر وعدم علم المقر، بل يجوز للمدّعي دعوى العلم عليه حتى بعد قيام البينة وإعطاء العين للمقرّ له، فيحلفه على نفي العلم، ويكون أثره أنه إذا امتنع عن اليمين غرم.
(1) جواهر الكلام 40 : 447.
(2) قواعد الأحكام 3 : 486.
(3) قواعد الأحكام 3 : 486.
(4) جواهر الكلام 40 : 488.