لو تلفت الوديعة قبل البيع فهل يضمن؟
قال المحقق: «ولو تلفت قبل البيع، قال الشيخ: الأليق بمذهبنا أنه لا يضمنها(1)، والوجه الضمان، لأنه قبض لم يأذن فيه المالك، ويتقاصّان بقيمتها مع التلف»(2).
أقول: قد وقع الخلاف في الضمان بالتلف قبل البيع للإقتصاص، فإن هذا يريد حقّه من المدين وذاك يريد ثمن ماله الذي تلف بيد هذا، فإن كان المثمن والثمن متساويين من حيث القيمة، فيقع التهاتر أو التقاص من الطرفين، وإن كان هذا أكثر فحقّه باق بمقداره، فإذا لم يضمن كان له التقاص مرة اخرى، وهل يضمن؟
قال الشيخ: لا، وقال المحقق: «الوجه الضمان».
وجه الأول: إن تسلّطه على المال كان بإذن من الشارع، وحينئذ، لا ضمان مع كون اليد مأذونة.
ووجه الثاني: هو إن مجرد الإذن الشرعي لا يقتضي عدم الضمان.
أقول: إن كان المستفاد من النصوص جواز الاقتصاص مع خلوّها عن الإذن في التصرفات الاخرى وحتى عن الإمساك زماناً ثم التقاص ـ والمفروض أنه لم يكن عنده وديعة ـ فالضمان متحقق بلا كلام، وإن تلف في حال التقاص المأذون فيه فهذا محل الكلام.
قال في (الجواهر): إنه لا منافاة بين إذن الشارع وبين الضمان، بعد أن لم يكن في شيءمن النصوص الحكم بكونه قبض أمانة، فيندرج في ما دلّ على عدم ضمانها، كما أنه ليس في شيء من الأدلّة الشرعية عنوان للأمانة الشرعية على وجه يكون المقام منها موضوعاً وحكماً، إذ ليس إلا الإذن في القبض لاستيفاء حقّه، وهو أعم من الإئتمان الذي لا يستعقب الضمان كالإلتقاط ونحوه، وليس كلّ ما أذن الشارع في قبضه يكون أمانة، خصوصاً القبض لمصلحة القابض التي هي استيفاء حقّه منها، بل ذلك من المالك لا يقتضي الائتمان المزبور، وحينئذ، فتبقى قاعدة ضمان مال المسلم المستفادة من عموم «على اليد» وغيره بحالها، ويتقاصّان بقيمتها مع التلف.
قلت: الإستدلال بالحديث يتوقّف على عمومه للمقام، لكن قاعدة اليد جعلت حكماً مغيىً بوجوب الأداء، وفيما نحن فيه يبنى الأخذ على عدم الردّ ويريد التقاص، بل إن هذه القاعدة منصرفة عن اليد غير العدوانيّة، وإذا سقطت القاعدة ولا دليل غيره، فالأصل عدم الضمان.
ثم قال في (الجواهر): «مضافاً إلى أن القبض للمقاصة هو قبض ضمان لا قبض مجان، بل هو أولى من قبض السوم»(3).
وفيه: إنه فرق بين الموردين، ففي قبض السوم أقدم القابض على القبض بانياً على دفع العوض، وقد أذن المالك بالقبض إذناً مقيّداً بالعوض، وإذن الشارع في القبض هناك تابع لإذن المالك.
وفيما نحن فيه، قد عرفت عدم شمول قاعدة اليد للمقام أو انصراف دليلها عنه ، فبين المقامين فرق واضح.
وبناء على شمول القاعدة للمقام، يقع البحث في أنه هل أذن الشارع ملازم لعدم الضمان أو الإذن أعم؟ أما مع الشك في ثبوت الضمان وعدمه، فهل المرجع هو عموم على اليد أو يستصحب حكم المخصص وهو «ليس على الأمين إلا اليمين»(4).
لقد تقرّر في محله أن الحق استصحاب حكم المخصص، فيكون الحكم في المقام عدم الضمان، مثل ما إذا قلنا بعدم شمول القاعدة من أول الأمر.
وقال العراقي: «يمكن أن يقال بأن الشك فيه مسبب عن الشك في صيرورته وليّاً على التصرف، فأصالة عدمها حاكمة على الأصل المزبور، بعد الجزم بأن ولايته السابقة على حفظه انعدمت، واستصحاب مطلق ولايته غير جار، لأنه من باب استصحاب الكلّي من القسم الثالث».
قلنا: هنا مطالب:
الأول: إن الولاية هنا ليست غير إذن الشارع في التصرف، فإنّه بمجرّد الإذن الشرعي يكون الأمر موكولاً إليه، ولا نعني بالولاية إلا ذلك.
الثاني: لو سلّمنا أن الولاية أمر زائد على الإذن، فإن اختلاف الموجب للولاية لا يوجب الإختلاف والتعدد في الولاية نفسها، فإذا كان لشخص ولاية في التصرف في المال من جهة الائتمان في اليوم الماضي، وثبت له الولاية اليوم من جهة التقاص، لم يتحقق له فردان من الولاية.
والثالث: إن عدم ثبوت الضمان بالتصرف بالأمس، كان من جهة إذن المالك، واليوم من جهة إذن الشارع، فعدم ثبوته واحد، ومع الشك يستصحب بلا مانع.
(1) المبسوط في فقه الامامية 8 : 311.
(2) شرائع الإسلام 4 : 109.
(3) جواهر الكلام 40 : 354.
(4) انظر رسالة قاعدة ضمان اليد ضمن ( اشارة السبق ) : 38.