صور الاختلاف في الولد
هذا، وفي المسألة صور:
الصورة الاولى: إذا لم يكن في البين فراش أصلاً، بل وطئ اثنان امرأة عن سفاح، ففي هذه الصورة لا يلحق الولد بأحدهما، وأثر ذلك عدم التوارث فقط، وأما الآثار الاُخرى: كالنظر والنكاح إن كان الولد بنتاً، فإنه يجوز لكلّ منهما نكاحها، ويحرم عليه النظر إليها للأصل، أما هي، فلا يجوز لها ذلك مع أحدهما، لعلمها إجمالاً بكونها لأحدهما.
وبالجملة، إن وطئاها عن زنا، لم يلحق الولد بأحدهما شرعاً، نعم، لا يبعد الرجوع إلى القرعة لتعيين من هو له منهما، لأجل ترتّب الآثار من النفقة ونحوها، اللهم إلاّ أن يقال بعدم ترتّب شيء من الآثار مطلقاً، لكن لا تعرّض هنا ظاهراً في الأخبار والفتاوى للقرعة.
والصورة الثانية: أنْ يتحقّق الوطئ من الرجلين بشبهة وفي طهر واحد، والحكم فيها الرجوع إلى القرعة، لإمكان كون الولد من كلّ منهما، فمن خرج اسمه أُلحق به.
والصورة الثالثة: أن يعقد كلّ منهما عقداً فاسداً. والمرجع هنا أيضاً القرعة.
والصورة الرابعة: أن يطأ اثنان امرأة وهي زوجة لأحدهما ومشبّهة على الآخر، والحكم عند الأصحاب فيها هو الرجوع إلى القرعة.
وقد ذكر المحقق حكم الصور الثلاث الأخيرة بقوله:
«إذا وطئ اثنان امرأة وط اً يلحق به النسب، إما بأن تكون زوجة لأحدهما ومشبّهة على الآخر، أو مشبّهة عليهما، أو يعقد كلّ منهما عليها عقداً فاسداً، ثم تأتي بولد لستة أشهر فصاعداً ما لم يتجاوز أقصى الحمل، فحينئذ يقرع بينهما»(1).
فإن قيل: مقتضى الحديث الشريف: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» هو إلحاق الولد في الصورة الرابعة بالزوج، لأنه صاحب الفراش وإن كان «للعاهر الحجر» لا ينطبق على الواطئ هنا، لعدم تحقق الموضوع وهو الزنا في هذه الصورة، وبالجملة، يجري هذا الحديث في صورة وجود فراش ـ زوجاً كان أو مولى ـ سواء كان الوطئ الآخر عن زنا أو شبهة، ولا يتحقق لأحد هذين فراش حتى يكون وطؤه وطأ يلحق به النسب، حتى يقع التعارض ويشكل الأمر فيرجع إلى القرعة.
بل لقد تمسك الإمام عليه السلام بالحديث حيث لا يوجد فيه الزنا ولا شبهة، ففي خبر الصيقل: «عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها. قال: بئس ما صنع، يستغفر الله ولا يعود.
قلت: فإن باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها، ثم باع الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للفراش وللعاهر الحجر»(2).
إذن، لا ينحصر مجرى الحديث بمورد وجود الزنا أو الوطي بشبهة، فالرجوع إلى القرعة لماذا؟
قلت: إن الواطئ بشبهة ليس بصاحب فراش ف خلافاً لصاحب (الجواهر) ـ لكن دليل القول بالقرعة في هذه الصورة هو الإجماع.
قال المحقق: «سواء كان الواطئان مسلمين أو كافرين أو عبدين أو حرّين أو مختلفين في الإسلام والكفر والحريّة والرق، أو أباً وابنه»(3).
أقول: قال في (الجواهر): بلا خلاف معتدّ به أجده بيننا في ذلك، بل الظاهر الإجماع عليه، بل ادّعاه بعض صريحاً.
ويدل عليه صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: «إذا وقع المسلم واليهودي والنصراني على المرأة في طهر واحد اُقرع بينهم، فكان الولد للذي تصيبه القرعة»(4).
قال في (الجواهر): نعم، عن لقطة المبسوط أن المسلم والحرّ أولى، ولكن قد استقر الإجماع على خلافه(5).
هذا مع عدم العلم بسبق أحدهما.
ولو علم سبق أحدهما على الآخر في الوطئ، ففي إلحاقه بالأخير أو القرعة كذلك بحث.
هذا كلّه، إذا كان الوطي منهما في طهر واحد، فإن وطأ أحدهما فحاضت، ثم وطئ الآخر، فهل يكون الإلحاق بالقرعة أيضاً؟ نعم، لإمكان كونه من الأول، لأن الحمل والحيض قد يجتمعان.
لكن في (القواعد) و (كشف اللثام): «إنه إذا كان ذلك انقطع الإمكان عن الأول، لأن الحيض علامة براءة الرحم شرعاً، إلا أن يكون الأول زوجاً في نكاح صحيح لكون الولد للفراش، إلا أن يعلم الانتفاء، وتخلّل الحيض لا يفيد العلم به هنا، لقوة الفراش»(6).
وأشكل عليه في (الجواهر) بقوله: إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، على كلّ من تقديري مجامعة الحيض للحمل وعدمه، وقوة الفراش لو كانت تنفع لنفعت في اجتماعهما في طهر واحد أيضاً(7).
وأما قولهما: ولو كان زوجاً في نكاح فاسد لم يظهر فساده للزوجين، ففي إمكانه نظر، من تحقق الفراش ظاهراً وانتفائه حقيقة.
فتلك صورة اخرى بالإضافة إلى الصور السابقة، وهو أن يكون الأمر دائراً بين الوطئ بشبهة ـ بمعنى كونه زوجاً ظاهرياً ـ وبين الزنا أو الوطئ بشبهة ممن ليس بزوج ظاهري، وتفيد هذه العبارة التوقّف في إمكان معارضة الوطئ بشبهة لصاحب الفراش، من جهة التأمّل في صدق الفراش على الفراش الظاهري، وهذا يؤيد ما ذكرناه سابقاً، كما لا يخفى، والحكم في هذه الصورة هو الإلحاق بالفراش الظاهري، للحديث الشريف، بناءاً على صدق الفراش، وإلا فالقرعة.
قال المحقق: «هذا كلّه إذا لم يكن لأحدهم بيّنة»(8).
أقول: يعني إن الرجوع إلى القرعة هو فيما إذا لم يكن لأحد الواطئين بينة، أو كان لكلّ واحد منهم وتعارضتا، لعدم المرجح، وإلا حكم بالبينة لمن كانت له أو كانت بيّنته أرجح.
لكن البينة تفيد فيما إذا علم بتحقق وطئ واحد، ثم اشتبه الواطئ بين اثنين، فتشهد البينة أنه هذا لا ذاك لكونه معهما في سفر مثلاً، وأما إذا وقع الوطئ من اثنين، فلا يمكن للبينة تعيين من يلحق به الولد منهما.
قال المحقق: «ويلحق النسب بالفراش المنفرد، والدعوى المنفردة، وبالفراش المشترك، والدعوى المشتركة، ويقضى فيه بالبينة ومع عدمها بالقرعة»(9).
أقول: أما الفراش المنفرد فواضح، وأما الدعوى المنفردة فتكون بالنسبة إلى صبي مجهول النسب، فلو ادّعاه ولا معارض له في هذه الدعوى أُلحق به، ولا يسمع إنكاره بعد كبره، نعم، في الكبير المجهول النسب خلاف سنشير إليه.
ولو اشترك اثنان أو أزيد في هذه الدعوى قضي بالبينة، ومع عدمها أو تعارضها فبالقرعة، وأما الفراش المشترك، فقد عرفت الكلام فيه.
ولا فرق عندنا في الدعوى بين الرجل والمرأة، فلو استلحقت ولداً فإن لم ينازعها أحد لحق بها، وإن نازعها كان الولد لذات البينة، ومع عدمها أو تعارضها فالمرجع القرعة.
(1) شرائع الإسلام 4 : 122.
(2) ومثله: خبر سعيد الأعرج: « عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الحمل؟ قال: للذي عنده الجارية لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الولد للفراش » وسائل الشيعة 21 : 174/4 . أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 58.
(3) شرائع الإسلام 4 : 122.
(4) وسائل الشيعة 26 : 280/1 . أبواب ميراث ولد الملاعنة ، الباب 10.
(5) جواهر الكلام 40 : 517.
(6) كشف اللثام في شرح قواعد الأحكام 10 : 234 . قواعد الأحكام 3 : 482.
(7) جواهر الكلام 40 : 518.
(8) شرائع الإسلام 4 : 122.
(9) شرائع الإسلام 4 : 122.