دليل المنع من العمل بكتاب قاض إلى قاض وردّه:
قال المحقق قدّس سرّه: «لا يقال: فتوى الأصحاب أنه لا يجوز كتاب قاض إلى قاض ولا العمل به، ورواية طلحة بن زيد والسكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: إن علياً عليه السلام كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض لا في حدّ ولا غيره ، حتى وليت بنو أمية، فأجازوا بالبيّنات.
لأنا نجيب عن الأوّل: بمنع دعوى الإجماع على خلاف موضع النزاع، لأن المنع من العمل بكتاب قاض إلى قاض ليس منعاً من العمل بحكم الحاكم مع ثبوته.
ونحن نقول: فلا عبرة عندنا بالكتاب مختوماً كان أو مفتوحاً، وإلى جواز ما ذكرنا أومأ الشيخ أبو جعفر رحمه الله في الخلاف(1).
ونجيب عن الرواية: بالطعن في سندها، فإن طلحة بتري والسكوني عامّي، ومع تسليمها نقول بموجبها، فإنّا لا نعمل بالكتاب أصلاً، ولو شهد به فكأن الكتاب ملغى»(2).
أقول: هذا جواب المحقق عمّا يمكن الاستدلال به لمنع العمل بكتاب قاض إلى قاض.
فالأول: الإجماع، وقد أجاب عنه بمنع قيامه على موضع النزاع، وتوضيح الجواب هو: إن الإجماع إن كان، فمعقده المنع من العمل بكتاب قاض إلى قاض آخر، لا عدم العمل بحكم الحاكم الثابت بشهادة العدلين مثلاً، لا سيما مع إشهاد الحاكم إيّاهما حين إصداره الحكم.
وبالجملة، فإن معقده هو المنع من العمل بالكتاب من حيث أنّه كتاب، وأمّا مع ثبوت الحكم عند الثاني فلا ريب في وجوب إنفاذه.
والثاني: الروايتان. وقد أجاب عنهما بالطعن في السند، قال: فإن طلحة بتري والسكوني عامي(3).
قال: ومع تسليمها من حيث السند نقول بموجبها، فإنا لا نعمل بالكتاب أصلاً ولو شهدا به، فكان الكتاب ملغى، بل عملنا هو بالحكم الذي قامت عليه البينة.
ومما يمكن الاستدلال به للمنع هو: إن حكم الحاكم الثاني خروج عن قانون القضاء، لأن أدلة القضاء جعلت الميزان الشرعي المقرّر له في البينة واليمين، فإذا حكم هذا الحاكم كان حكمه لا عن طريق البينة واليمين.
والجواب عنه: إن المراد من حكم الثاني ليس إنشاء الحكم بأصل الدعوى، كالحكم بملكية زيد للدار أو زوجية هند له، بل الغرض حكمه بوجوب اتباع حكم الحاكم الأول، وهذا في الحقيقة إقرار وإثبات لحكم الأول وإنفاذ له، والظاهر اتفاق الأصحاب على وجوب إنفاذ حكم الفقيه الجامع لشرائط الفتوى على الفقهاء الآخرين.
(1) كتاب الخلاف 6 : 225 ، المسألة 21.
(2) شرائع الإسلام 4 : 97.
(3) أما طلحة بن زيد ففي ( تنقيح المقال 2 / 109 ) عدّه الشيخ رحمه الله تارة من أصحاب الباقر عليه السلام قائلاً: « طلحة بن زيد بترى ». وقال في ( الفهرست 149 / 372 ) « طلحة بن زيد له كتاب، وهو عامي المذهب إلا أن كتابه معتمد… » قال جدّنا رحمه الله « قد تفرد الشيخ رحمه الله بقوله: إن كتابه معتمد ، ولم أقف على من نطق به غيره، وذلك لا ينفع إلا فيما علم انه من كتابه، لأن النتيجة تتبع أخس المقدمات . ونقل المولى الوحيد رحمه الله عن خاله ـ يعني المجلسي الثاني ـ الحكم بكونه كالموثق. قال: ولعلّه لقول الشيخ رحمه الله كتابه معتمد، ويروي عنه صفوان بن يحيى ».
وأما السكوني ـ وهو إسماعيل بن أبي زياد ـ فموجز ما ذكر بترجمته (تنقيح المقال 1 / 127) أن الشيخ والنجاشي لم يتعرضا إلى مذهبه. لكن العلامة نصّ على كونه عامياً، بل نفى ابن إدريس الخلاف في ذلك، ونوقش بعدم وجود عاميته في كتب الرجال، وما ادعاه ابن إدريس لا دليل عليه، وأنه لا يبعد كونه في تقية شديدة لاشتهاره بين العامة، وكونه من قضاتهم، لا سيما وأنه مذموم عندهم كما لا يخفى على من راجع كتبهم الرجالية. هذا بالنسبة إلى مذهبه.
وأما بالنسبة إلى رواياته، فعن الشيخ دعوى إجماع الشيعة على العمل برواياته وأنه ثقة، ونقل عن المحقق توثيقه، وهو من رجال كامل الزيارات، لكن عن ابن بابويه: لا أفتي بما ينفرد السكوني بروايته، وللمتأخرين حول الرجل كلمات وآراء فراجعها.