حكم ما لو فسخ أحدهما دون الآخر

حكم ما لو فسخ أحدهما دون الآخر
قال المحقق: «ولو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع، لعدم المزاحم، وفي لزوم ذلك عليه تردّد، أقربه اللزوم»(1).
أقول: ولو فسخ أحدهما فهنا فرعان.
الأول: إنه لو فسخ أحدهما، فهل للآخر أخذ جميع الدار أم لا؟ فيه قولان، ذهب المحقق قدّس سرّه إلى الأول، واستدل له بقوله «لعدم المزاحم» أي: لأنه كان يدّعي شراء جميع الدار من البائع وقد أقام البينة على ذلك، لكن عارضه دعوى الآخر وبيّنته، وحيث فسخ ذاك ما كان يدّعيه من العقد، فقد بقي هذا بلا مزاحم، فكان له أخذ الجميع الذي كان يدّعيه.
وقد حكي الثاني عن الشيخ قدّس سرّه، ووجهه هو: أن الحاكم قد قضى له بنصف الدار دون النصف الآخر، فلا يعود إليه.
وفيه: إن مقتضى البينة هو الجميع، لكن منعه عن أخذه المدّعي الآخر الذي ادّعى شراء الجميع كذلك، الأمر الذي سبب حكم الحاكم بالتنصيف، لكن مع فسخ الآخر يرتفع المانع فيؤثر المقتضي أثره.
وقد نسب الشهيد في (الدروس) إلى الشيخ القول بالفرق بين كون الآخذ الأول أو الثاني حيث قال: (ولو فسخ أحدهما فلخر الجميع، وفيه أوجه ثالثها ـ وهو مختار الشيخ في المبسوط ـ: الفرق بين كون الآخذ الأول أو الثاني، لأن القضاء للأول بالنصف إذا لم يتعقّبه فسخ يقرر ملكه عليه بحكم الحاكم فليس له نقضه بأخذ الجميع، ونعني بالأول الذي فاتحه القاضي بتسليم النصف فرضي بخلاف ما إذا فسخ المفاتح فإن الثاني يأخذ الجميع قطعاً، لإيجاب بيّنته الجميع يراجع ما لم ينازع.
والأقرب أن لكلّ منهما الأخذ»(2).
وقد ضعّف صاحب (الجواهر) قدّس سرّه هذا التفصيل كذلك. ثم قال: «توّهم أن مقتضى الفسخ الرجوع إلى البائع لا إليه بمقتضى الحكم الظاهري، مدفوع بأن التنصيف قد كان جمعاً بين البينتين، ومع فرض الفسخ استقلت بينة الآخر بكون الجميع له بلا معارض، بل المتجه صيرورة ذلك له قهراً عليه لأنه مقتضى دعواه وبينته»(3).
الفرع الثاني: إنه مع جواز أخذ الجميع هل هو واجب؟ وجهان، من وجود المقتضي وعدم المانع كما عرفت مع انتفاء المقتضي للخيار وهو تبعض الصفقة، ومن استصحاب الخيار الثابت له قبل الفسخ، ومن هنا تردّد المحقق قدّس سرّه، لكن قال: «أقربه اللّزوم». واستدلّ له صاحب (الجواهر) بالأصل ـ وهو أصالة اللزوم في العقود ـ وبغيره من الأدلة القائمة على لزوم العقد، وكلّ ذلك يتقدم على الاستصحاب إن تم في المقام.
هذا، ولكن الصحيح عدم جواز أخذ الجميع، لا لما ذكره الشيخ قدّس سرّه بل لأن النصف الثاني يصير بعد الفسخ إلى ملك البائع، لا أنه يعود إلى ملكه كما كان حتى يقال بأنه مع فرض الفسخ تستقل بينة الآخر بكون الجميع له بلا معارض، بل هو ملك جديد يصير إلى البائع بالفسخ فليس للآخر أخذ هذا النصف. وما ذكرنا نظير ما إذا باع أحد الشريكين نصفه الواقع إليه بحكم الحاكم إلى البائع، فإنه ملك جديد للبائع بسبب جديد، فلا يجوز للآخر أن يدّعي عليه هذا النصف أيضاً.
فإن قيل: تحقق الملك الجديد للبائع بسبب البيع واضح، وليس الفسخ كذلك، بل أثره في محلّ الكلام كون المعاملة بالنسبة إلى هذا النصف الذي وقع الفسخ فيه كالعدم، فلخر المطالبة به بمقتضى بينته.
قلت: لا إشكال ـ بل الظاهر أنه لا خلاف ـ في أنه يتحقق الملك للبائع بالفسخ من حينه، ولذا يكون النماء الحاصل بين العقد والفسخ للمشتري، فيكون الشيء ملكه له مرة اخرى بعد بيعه إيّاه.
ومن هنا وقع الكلام في تأثير إجازة المالك لبيع الفضولي إن كان مالكاً للمال حين الإجازة لا حين العقد، والصحيح عدم كفاية هذا التملّك في إنفاذ البيع بالإجازة.
على أن الفسخ من آثار التعارض، فكيف يكون نافياً للتعارض؟
والحاصل: إنه ليس للآخر أخذ الجميع، لأن المزاحمة قد ارتفعت بالفسخ من حينه، والتي كانت من حين العقد لم ترتفع بهذا الفسخ.
هذا كلّه إذا كانت العين في يد البائع.
ولو كانت في يد أحدهما فتارة: لا بينة، وحينئذ يقضى بها له وعليه اليمين للآخر، وأُخرى: يقيمان البينة، وحينئذ يحكم للخارج على رأي وللداخل على آخر ، وقد تقدّم.

(1) شرائع الإسلام 4 : 114.
(2) الدروس الشرعية 2 : 105.
(3) جواهر الكلام 40 : 466.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *