حكم ما لو تغيّر حال الحاكم الأول:
قال المحقق: ولو تغيّر حال الأول بموت أو عزل، لم يقدح ذلك في العمل بحكمه، وإن تغير بفسق لم يعمل بحكمه، ويقرّ ما سبق إنفاذه على زمان فسقه(1).
أقول: لا ريب في نفوذ حكم الحاكم الجامع للشرائط والصفات المذكورة في أول كتاب القضاء، ويعتبر كونه على تلك الصفات في حين إصداره الحكم، فلو تغيّر حال الحاكم بموت أو عزل عن القضاء أو جنون أو عمى ـ بناءاً على اشتراط البصر ـ أو غير ذلك، لم يقدح ذلك في العمل بحكمه ووجوب إنفاذه على الحاكم الثاني، وقد استثنى المحقق تبعاً للمشهور من ذلك الإسلام والعدالة، وأنه يشترط بقاؤه على ذلك بعد الحكم كذلك، فلو تغير حاله بكفر أو فسق لم يعمل بحكمه ـ وليس الأمر كذلك في سائر الامور المشروطة بالعدالة، كإمامة الجماعة والشهادة بالطلاق ونحوهما ـ وكذا لو تغيّر حاله بعد الحكم وقبل العمل.
أما إذا تغيّر حاله بعد العمل بحكمه، فلا ريب في عدم بطلان الحكم بذلك.
وهذا الذي ذكره جار في مورد فتوى المجتهد أيضاً، فلو أفتى بفتوى فمات، لم يقدح ذلك في العمل بفتواه، نعم في (الجواهر): «الظاهر الإجماع على عدم جواز العمل ابتداءاً بفتاوى الأموات»(2) وأما إذا كان قد قلّده ثم مات المجتهد، فقد أفتوا بجواز البقاء على تقليده.
وهذا بخلاف ما إذا تغيّر حاله بفسق أو جنون، نعم، العمل الذي أتى به على طبق فتواه قبل التغير صحيح بلا كلام، ويقرّ ما وقع بحسب فتواه من بيع أو نكاح أو ما شابه ذلك على ما كان عليه.
وقد استدلّ لما ذكره المحقق قدّس سرّه بأمرين:
أحدهما: إن ظهور الفسق يشعر بالخبث الباطني وقيام الفسق يوم الحكم.
والثاني: إنه يصح أن يقال بعد فسقه بأنه حكم فاسق فعلاً، فلا يجوز العمل به وإنفاذه.
لكن كلا الأمرين واضح الضعف، ولا يقاومان إطلاقات الأدلّة، ومن هنا ذهب جماعة كالأردبيلي(3) والنراقي(4) إلى عدم الفرق بين الفسق والموت، أخذاً بإطلاقات أدلة حجّية حكم الحاكم، إلا أن ذهاب المشهور إلى ما ذكره المحقق، بل دعوى بعضهم عدم الخلاف فيه، يمنعنا من الجزم بعدم الفرق.
وربما يؤيد المشهور بما ذهب إليه بعض الأصحاب من الفرق بين الفسق وغيره من الموانع في بعض الموارد.
فمن ذلك: ما لو تغيّر حال الشاهدين بعد أداء الشهادة وقبل الحكم طبق شهادتهما بموت أو جنون مثلاً، لم يقدح ذلك في قبول الشهادة وترتّب الأثر عليها، بخلاف ما لو تغيّر بفسق فلا تعتبر.
ومن ذلك أيضاً: ما لو تغير حال شاهدي الأصل قبل الحكم بشهادة شاهدي الفرع، فإنه يمنع عن الحكم إن كان التغير بفسق، ولا يمنع إن كان بغيره.
ويؤيده أيضا: جواز البقاء على تقليد المجتهد الميت دون الفاسق.
ولو وصلت النوبة إلى الأصل، فالأصل هو عدم جواز العمل والإنفاذ.
هذا كلّه بالنسبة إلى تغيّر حال الحاكم الأول الكاتب للكتاب.
(1) شرائع الإسلام 4 : 99.
(2) جواهر الكلام 40 : 320.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 12 : 216.
(4) مستند الشيعة 17 : 102.