حكم ما لو ادعى اثنان شراء ثالث المبيع من كلّ منهما
قال المحقق قدّس سرّه: «ولو ادّعى اثنان أن ثالثاً اشترى من كلّ منهما هذا المبيع وأقام كلّ منهما بينة، فإن اعترف لأحدهما قضي عليه بالثمن، وكذا إن اعترف لهما قضي عليه بالثمنين، وإن أنكر وكان التاريخ مختلفاً أو مطلقاً قضي بالثمنين جميعاً لمكان الاحتمال»(1).
أقول: هذه المسألة عكس المسألة السابقة، فلو ادّعى اثنان أن ثالثاً اشترى من كلّ منهما مبيعاً معيناً، فإن اعترف المشتري بالشراء لأحدهما قضي عليه بالثمن، وإن اعترف به لكلّ منهما قضي عليه بالثمنين، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم حجة» وشراؤه من كليهما أمر ممكن، كأن يكون قد اشترى العين من أحدهما ثم باعه من الآخر ثم اشتراه، أو باعه لرابع فباعه الرابع من المدّعي الآخر، فاشتراه المشتري منه.
وإن لم يعترف مطلقاً وأقام كلّ واحد منهما بينة فأنكرهما فتارة: يختلف تاريخ البينتين أو تكونان مطلقتين، وأخرى: يكون التاريخ واحداً، فإن اختلف أو كانتا مطلقتين قضي عليه بالثمنين، لما تقدم من إمكان شرائه العين من أحدهما ثم بيعه من الآخر ـ أو من رابع فباعه من الآخر ـ ثم شرائه منه، ومهما أمكن الجمع بين البينتين وجب.
بخلاف المسألة السابقة، لما قيل من أن الشراء لا يجوز لملك نفسه والبيع يجوز لملك غيره ولو فضولاً.
وفيه: كما في (الجواهر) إن الاحتمال في الشراء لمال نفسه فضولاً عن الغير ممكن أيضاً، كأن يشتري العين من أحدهما ثم يوكّل زيداً في بيعه من الغير، ثم اشترى فضولاً من الغير.
هذا، مع أنه لا أثر لهذا الشراء عن الغير، لأن المفروض عدم أخذه شيئاً عن الغير.
فالأولى في وجه الفرق ما ذكره في (الجواهر) من أنه اتحاد المدّعى به في المسألة السابقة، وهو شراء المبيع من مالكه، إلا أنه لم يعلم السابق منهما ليكون شراء اللاحق في غير محله، بخلاف هذه المسألة، فإن المدّعى به استحقاق الثمن الذي ثبت بثبوت سببه، فمع فرض قيام البينة به في وقتين مثلاً وجب المسبب حتى لو كان المدًعى واحداً.
وبعبارة اخرى: العين الواحدة لا يمكن أن تكون بجميعها لاثنين، هذا في تلك المسألة، أما في المقام، فالمدّعي به هو الثمنان من جهة تعدد العقد وإن كانت العين واحدة، فإذا تكرر العقد تكرر الثمن، لإمكان الشراء ثم البيع والشراء كما عرفت، أما المبيع فلا يتكرر بتكرر البيع، فظهر إمكان الجمع بين البينتين هنا وعدم إمكانه هناك.
نعم، لو كان الثمن شيئاً معيّناً خاصّاً، وكلٌّ منهما قد ادّعاه بسبب كونه البائع لثمنه، وأقام كلّ واحد بينة، تحقق التعارض ولو مع إطلاق البينتين.
هذا، وفي (المسالك): ويحتمل كونهما حينئذ كالمؤرختين بتاريخ واحد، لأنهما ربما شهدتا على البيع في وقت واحد، والأصل براءة ذمة المشتري، فلا يؤخذ إلا باليقين(2).
قال في (الجواهر): ولعلّه لذا كان المحكي عن ظاهر الشيخ التردّد.
لكن فيه ـ كما في (الجواهر) ـ أن البينة ظاهرة في تعدد البيع، والأصل تعدد المسبب بتعدد سببه(3).
قال المحقق: «ولو كان التاريخ واحداً تحقق التعارض، إذ لا يكون الملك الواحد لاثنين، ولا يمكن إيقاع عقدين في الزمان الواحد، فيقرع بينهما، فمن خرج اسمه أُحلف وقضي له»(4).
أقول: ودليل القرعة ما تقدم ذكره سابقاً من النص والفتوى على أن الرجوع إلى القرعة هو حكم البينتين المتعارضتين بعد فقد الترجيح بينهما بأحد المرجحات المذكورة هناك، فمن خرج اسمه أُحلف وقضي له بالثمن الذي شهدت به البينة، فإن امتنع اُحلف الآخر وقضي له كذلك.
قال: «ولو امتنعا من اليمين قسّم الثمن بينهما»(5).
أي: لو امتنع من خرج اسمه بالقرعة فردّت على الآخر فامتنع كذلك، قسّم الثمن بينهما إن كان قابلاً للتقسيم، وإلا فلكلّ واحد من المدعيين نصف ما ادّعاه من الثمن.
وقد تقدم في نظير المسألة احتمالات أُخرى.
(1) شرائع الإسلام 4 : 114.
(2) مسالك الأفهام 14 : 110.
(3) جواهر الكلام 40 : 468.
(4) شرائع الإسلام 4 : 114.
(5) شرائع الإسلام 4 : 114.