حكم الاختلاف في الاجرة مع البينة
قال المحقق قدّس سرّه: «إذا اتفقا على استيجار دار معينة شهراً معيّناً واختلفا في الاجرة، وأقام كلٌّ منهما بينة بما قدره، فإن تقدم تأريخ احداهما عمل به، لأن الثاني يكون باطلاً، وإن كان التاريخ واحداً تحقق التعارض، إذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين، وحينئذ، يقرع بينهما ويحكم لمن خرج اسمه مع يمينه.
هذا اختيار شيخنا في المبسوط.
وقال آخر: يقضى ببينة الموجر، لأن القول قول المستأجر لو لم تكن بينة، إذ هو يخالف على ما في ذمّة المستأجر، فيكون القول قوله، ومن كان القول قوله(1) كانت البينة في طرف المدّعي، وحينئذ نقول: هو مدّع زيادة وقد أقام البينة عليها فيجب أن تثبت.
وفي القولين تردّد»(2).
أقول: إذا كان لكلّ واحد من الموجر والمستأجر بينة بما يدّعيه، فتارة: يتقدم تاريخ احدى البينتين للعقد، واخرى: يكون التاريخ واحداً.
فإن كان الأول، كأن قالت احداهما: قد وقع العقد في شهر رمضان، وقالت الاخرى: قد وقع في شهر شوال، عمل بالمتقدّم وبطل المتأخر، لأنه يكون عقداً على معقود عليه من المتعاقدين كما كان، وهو باطل…
وإن كان الثاني ـ وهو اتّحاد تاريخهما ـ أو كانت البينتان مطلقتين، أو كانت احداهما مطلقة والاخرى مؤرخة، وليس في احداهما مرجح من المرجحات المذكورة سابقاً، تحقق التعارض بين القولين، إذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين، وفي هذه الصّورة قولان.
فالأوّل: هو القول بالقرعة مع اليمين، وهو للشيخ في (المبسوط)، فمن خرج اسمه يحكم له مع يمينه، سواء كان الموجر أو المستأجر، للنصوص الصريحة الدالّة على ذلك(3)، فإن نكل الذي خرج اسمه عن اليمين اُحلف الآخر، فإن حلف حكم له، وإن نكل فالوجوه المتقدمة من التنصيف أو وجوب دفع أقل الأمرين أو توقيف الحكم، مع ما عرفت من الكلام فيها.
والثاني: هو القضاء ببينة المؤجر، وهو لابن إدريس(4) وأكثر المتأخرين، لما تقدّم من أن قول المستأجر يتقدم في حال عدم البينة، وحيث أن البيّنة موجودة فإنها تسمع من الطرف الآخر وهو الموجر، والموجر يدّعي أنه قد آجر الدار بمأة وقد أقام البينة بها، فيجب أن تثبت الخمسين الزائدة، بناءاً على حجية بينة الخارج دون الداخل، كما هو المختار.
وأما بناءاً على حجية بينة الداخل والخارج معاً، فإنهما تتعارضان وتتساقطان، فتعود الصورة كما لو عدماها.
(1) في متن المسالك : « ومن كان القول قوله مع عدم البينة كانت … » .
(2) شرائع الإسلام 4 : 113.
(3) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان ]يختصمان [بشهود عدلهم سواء وعددهم، أقرع بينهم على أيهما تصير اليمين. ثم يجعل الحق للذي تصير عليه اليمين إذا حلف.
وعن داود بن سرحان عن أبي عبد الله في شاهدين شهدا على أمر واحد، وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا عليه ]شهد الأولان[ واختلفوا قال: يقرع بينهم فأيّهم قرع عليه اليمين وهو أولى بالقضاء.
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له: رجل شهد له رجلان بأن له عند رجل خمسين درهماً ، وجاء آخران فشهدا بأن له عنده مائة درهم كلّهم شهدوا في موقف. قال: أقرع بينهم ثم استحلف الذين أصابهم القرع بالله أنهم يحلفون بالحق.
وعن داود بن أبي يزيد العطار عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل كانت له امرأة، فجاء رجل بشهود أن هذه المرأة امرأة فلان، وجاء آخران فشهدوا أنها امرأة فلان، فاعتدل الشهود و عدلوا. فقال: يقرع بينهم فمن خرج اسمه فهو المحق وهو أولى بها.
وسائل الشيعة 27 : 252 / الباب 12 من أبواب كيفية الحكم / ح8.
هذا، وللشيخ هنا فرع آخر هذا نصه: « ويفارق الألف والألفين، لأن من شهد بألف لا يعارض من شهد بألفين لجواز الصدق فيهما، فلهذا لم يقع التعارض، فأثبتنا الألف بأربعة والألف الزائد بشاهدين، وليس كذلك ههنا، لأن العقد على البيت مرتين شهراً واحداً محال، فلهذا تعارضتا… » المبسوط 8 / 264 .
(4) السرائر 2 : 464.