حكم إنهاء الحكم بالقول مشافهة:
قال المحقق قدّس سرّه: «وأما القول مشافهة، فهو أن يقول للآخر: حكمت بكذا أو أنفذت أو أمضيت، ففي القضاء به تردّد، نص الشيخ في الخلاف: أنه لا يقبل»(1).
أقول: المراد من «القضاء به» هو إنفاذ الحاكم الثاني إياه، ووجه التردّد هو: أن هذا خبر واحد عن الموضوع، وفي اعتباره بحث وخلاف، ولعلّ مذهب الأكثر هو العدم ولزوم قيام البينة، ولكن يشكل فيه من جهة أن خبر الواحد عن الموضوع المحوّل إلى المخبر والذي لايعلم إلا من قبله يعتمد عليه، فلو وكلّ أحداً في طلاق زوجته فأخبره بإجراء الصيغة اعتمد على خبره، ولو أعطى الثوب المتنجس لأن يغسله فأخبره عن تطهيره إياه اعتمد عليه، ولو أخبر الأجير في الصّلاة عن الميت عن أنه قد صلّى كان خبره حجة(2)… فالقضاء من هذا القبيل، فالأظهر هو القبول.
(1) شرائع الإسلام 4 : 96.
(2) واستدل له بأدلّة القضاء من جهة أنها كما تدل على نفوذ إلزامات القاضي، كذلك تدل على قبول إخباراته بالقضاء، فإنه عندما يخبر عن إلزامه، يترتب عليه استمرار ما كان منه من الفصل بين المتخاصمين، فيجب أن يقبل، للملازمة العرفية بين نفوذ الإلزام ونفوذ الإخبار بالإلزام، فيكون الدليل على الثاني نفس الدليل على الأول.
وبعبارة اخرى: إن إخبار الحاكم الأول بالفصل بين المتخاصمين في القضية يعتبر فضلاً كذلك، فإما يستمر حكم الفصل الأول وذلك إن كان صادقاً في إخباره، وإما يكون فصلاً جديداً من جهة أنه عند إخباره قد انقدح في ضميره عدم خصومة بين المتخاصمين ولو بقاء، فكما أنه إذا رأى عدم الخصومة حدوثاً نفذ رأيه، كذلك إذا رأى عدمها بقاءاً، فيكون إخباره بعدم الفصل بمنزلة إلزامه به من حيث الكشف عن تعلق رأيه بعدم الخصومة. ولكن الإشكال في دلالة أدلة القضاء على قبول اخبارات القاضي بالقضاء كما تدل على نفوذ الزاماته، وأن الملازمة العرفية المذكورة فيها تأمل، فتأمل..