حقيقة القسمة:
ثم، إنه تارة يختلط مال اثنين بعضه ببعض، كأن يختلط شياه هذا بشياه ذاك فهنا قولان:
أحدهما: إنهما يشتركان في المجموع بنحو الإشاعة، كما هو الحال فيما إذا ورث الأخوان هذا المجموع معاً. والثاني: إن كلاًّ منهما يملك حقّه ومملوكه الواقعي فقط، وإذ لا طريق إلى التمييز فلابدّ من التراضي بينهما بالتقسيم، بأن تنتقل عين مال كلّ واحد إلى الآخر في مقابل عين ماله، فيكون في الواقع تبديلاً.
وتارة أخرى: يكون الإختلاط بين المالين موجباً لاشتراكهما بالإشاعة عند العرف، كأن تختلط حنطة هذا بحنطة ذاك، فلا يصدق حينئذ التبديل، بل يقال هنا بالتمييز والإفراز والتعيين، والمراد جعل المال الذي يشترك الاثنان في تملّكه مفرزاً إلى ملكين يختص كلّ واحد منهما بواحد.
قال المحقق قدّس سرّه في كتاب الشركة: وهي تمييز الحق من غيره(1)، وكذا قال في (المسالك)(2) و (الجواهر)(3) بل نسب إلى المعروف بين الأصحاب، وعليه السيد صاحب (الوسيلة)(4) والأولى التعبير بالتعيين وفاقاً للسيد صاحب (العروة) حيث قال: والأولى التعبير بالتعيين، لأن الظاهر من التمييز أن يكون له واقع معيّن وليس كذلك(5)(6).
نعم، في مثال الشياة على الوجه الثاني يصح التعبير بالتمييز.
فالأولى التعبير هنا بالتعيين، لعدم تعين حق كلّ من الشريكين خارجاً، إذ المفروض أنهما يشتركان في كلّ جزء جزء من المال حتى يصل إلى الجزء الذي لا يتجزء فيقسم هناك تقسيماً عقلياً، فالمراد من القسمة تعيين مصداق الكلّي.
وأما احتمال أن تكون القسمة تعيين ما يملكه كلّ واحد من الشريكين خارجاً، بمعنى أن كلّ مال من الأموال المملوكة هو ملك لكليهما، فيكون أحدهما مالكاً للنصف الثاني من المال الذي بيده بأزاء تمليكه النصف الآخر من المال الذي بيد شريكه، فتكون القسمة في الحقيقة بيعاً، لأنها ـ على هذا ـ تبديل الأموال بعضها ببعض بحسب السهام، لكن الشريكين ينشآن القسمة ولا نظر لهما إلى المبادلة والمعاوضة الواقعة.
فيضعّفه: إنه إن كان المراد من النصف هو النصف المردّد، فإن المردّد لا وجود له في الخارج، وإن كان المراد منه النصف المعيّن، فهذا خلف للفرض، ولو كان كذلك لم يكن حاجة إلى التقسيم، فيرجع الأمر إلى الكلّي ويكون من قبيل تعيين الكلّي في المصداق، نظير تمليك الكلّي في المعين كالصاع من الصبرة، إذ يتعين كلّي الصاع بالصّاع الذي يدفعه، وإن كان بين الموردين فرق من جهة أخرى، وذلك أنه مع تلف شيء من المال المشترك يكون التلف من كليهما، بخلاف ما لو تلف من الصبرة مقدار، فإنه من مالكه، حتى إذا بقي منها صاع واحد كان لمستحقه ولم يشاركه صاحب الصبرة.
وأما احتمال أن يكون المملوك لكلّ واحد من الشريكين هو الأحد اللاّبعينه بناءاً على أن الملكية أمر اعتباري، فيجوز أن يباع الواحد المردّد لأنه قابل للتملّك كما يقبل الكلّي ذلك، نظير بيع ثمرة الشجرة قبل وجودها، فيكون التقسيم في حقيقته إخراج كلّ فرد من حال عدم التعيّن إلى التعيين.
ففيه: ما تقدم من أن الواحد المردد لا وجود له ولا حقيقة، والملكية وإن كانت أمراً اعتبارياً، لكن يشترط في متعلّقها أن يكون أمراً قابلاً للوجود في الخارج.
والتحقيق هو النظر في حقيقة الشركة، وبذلك يتضح معنى القسمة، والحاصل: إن التقسيم هو التعيين، لأن معنى الشركة هو تملّك كل من الشريكين للنصف مثلاً من المال بنحو الإشاعة، وحيث يراد إخراج الملك عن الإشاعة وتعيّن حق كلّ واحد من الشريكين، يقسّم المال بحسب السهام، فيكون التقسيم تعيين كلّ من النصفين لكلّ من الشريكين مثلاً، فيتحصل أن معنى التقسيم إخراج المال عن حال كونه مملوكاً للشريكين بالإشاعة إلى حال تعيين ملك كلّ واحد منهما فيه، بتعيين مصاديق كلّ الإجزاء لكلٍّ منهما، وهذا الوجه أحسن الوجوه في هذا المقام.
(1) شرائع الإسلام 2 : 132.
(2) مسالك الأفهام 4 : 318.
(3) جواهر الكلام 26 : 309.
(4) وسيلة النجاة : 262.
(5) العروة الوثقى 2 : 218.
(6) قال السيد الاستاذ دام ظله في حاشية الوسيلة: « فالمناسب في تعريفها أن يقال: القسمة هي نقل سهم كلّ شريك من الحصة التي بيد شريكه بأزاء سهم شريكه في الحصة التي بيده ».