حقيقة الإنفاذ
هذا، وليس «الإنفاذ» إرشاداً إلى العمل بحكم الحاكم الأول فقط، كما هو الشأن في عمل نقلة فتاوى الفقهاء وإرشادهم العوام إلى العمل بفتاوى مقلّديهم، بل إن المراد من الإنفاذ حكم الثاني بوجوب إطاعة حكم الأول ولزوم تطبيقه حتى ينقطع النزاع، بغض النظر عن صحته وسقمه، فله أن يقول: يجب امتثال الحكم بكون المال لزيد وإن كنت لا أعلم بصحة هذا الحكم. هذا ما تفيده ظواهر كلمات القوم، والدليل عليه قوله عليه السلام: «فإذا حكم…».
وليس من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذا يكون فاصلاً للخصومة، ولو كان من ذلك الباب لما كان كذلك.
لكن يمكن أن يقال: بأن للحاكم الثاني أن يجعل حكم الأول حجّة في الحكم كما يحكم استناداً إلى البيّنة مثلاً، فله أن يحكم في أصل القضية حكماً من عنده استناداً إلى نظر الأول في الواقعة وحكمه فيها، ولا ينافيه ظاهر الحصر في قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم. «إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»(1)، لجواز حمله على الحصر الإضافي، وقد أجاز ذلك المحقق النراقي(2)، ومنعه المشهور مستدّلين بأن هذا الحكم قول بغير علم، إذ المفروض عدم علمه بكون المال لزيد مثلاً، وبأن المفروض جهله بملاك حكم الأول، فمن الجائز أنه لو علم به لخالفه، وعلى هذا فليس له الحكم به، كما لا يجوز له الحكم بصحته أو موافقته للواقع.
واستدل النراقي بأن حكم الحاكم الأول حكم الله في الواقعة، لأدلّة حجية حكم الحاكم، فهو حجّة، وحينئذ، فكما يجوز للحاكم الثاني الإستناد إلى البيّنة واليمين ونحوهما من الحجج، كذلك له أن يستند إلى هذه الحجّة، فيحكم على طبق حكم الأول حكماً مستقلاًّ، كما له أن ينفذه.
والأقوى ما ذهب إليه، إلا أن يكون إجماع على خلافه، لكن الأحوط في المقام هو إنفاذ حكم الأول وعدم الحكم بنفسه في الواقعة.
(1) وسائل الشيعة 27 : 232/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 2.
(2) مستند الشيعة 17 : 102.