النظر في المقسوم:
قال المحقق قدّس سرّه: «وهو إما متساوي الأجزاء كذوات الأمثال مثل الحبوب و الأدهان، أو متفاوتها كالأشجار والعقار، فالأول يجبر الممتنع مع مطالبة الشريك بالقسمة، لأن الإنسان له ولاية الانتفاع بماله، والإنفراد أكمل نفعاً»(1).
أقول: قسّم المحقق قدّس سرّه المقسوم إلى قسمين، أي إلى المتساوية أجزاؤه من حيث الوصف والقيمة كذوات الأمثال مثل الحبوب والأدهان، وإلى المتفاوتة أجزاؤه كالأشجار والعقار، وقد حكم في القسم الأول بجواز إجبار الممتنع مع مطالبة الشريك بالقسمة، قال في (الجواهر): بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل الظاهر الإتفاق عليه، ولعلّه العمدة بعد قاعدة وجوب إيصال الحق إلى مستحقه مع عدم الضرر والضرار في القسمة المفروض شرعيّتها(2)، وأما الثاني ففيه تفصيل كما سيأتي.
قال المحقق: «ويقسم كيلاً ووزناً متساوياً ومتفاضلاً ربوياً كان وغيره، لأن القسمة تمييز حق لا بيع»(3).
أقول: وحيث يراد التقسيم، فإنه يقسّم المكيل والموزون وغيرهما كيلاً ووزناً وغير ذلك متساوياً ومتفاضلا، ربوياً كان المقسوم وغيره، وذلك لأن القسمة ـ كما سبق في أولّ البحث ـ معاملة مستقلّة يقصد بها تمييز حق أو تعيين حق، لا بيع، فلا يشترط فيها ما يشترط في البيع، من القبض في المجلس في النقدين والعلم بالوزن والوصف وعدم الإشتمال على الربا، وحينئذ، فإذا قسم بالتساوي بحسب العين أو بحسب القيمة جاز، وإن كان مع الجهل بالوزن أو الوصف، ط وكذا لا يثبت في القسمة الخيار لأحد المتقاسمين.
قال ثاني الشهيدين: لو ترك قوله متساوياً ومتفاضلاً كان أولى، وإليك نص كلامه:
«وأما قوله متساوياً ومتفاضلاً، فالأصل في القسمة أن تكون بنسبة الإستحقاق، فإذا كان المشترك بينهما نصفين كان إفرازه نصفين، وإن كان بينهما أثلاثاً كان إفرازه كذلك، والتفاضل في الثاني بحسب الصورة وإلا فهو متساو حقيقة، لأن مستحق الثلث له فيما في يد صاحب الثلثين ثلثه ولصاحب الثلثين فيما في يد صاحب الثلث ثلثاه، فالقسمة على هذا الوجه موجبة للتسوية بينهما بالنظر إلى أصل الحق، وإن أراد بالتفاضل ترجيح أحدهما على الآخر زيادة على حقّه، فليس ذلك بداخل في حقيقة القسمة بل هو هبة محضة للزائد، فلو ترك قوله متساوياً ومتفاضلاً كان أولى»(4).
قال في (الجواهر): وفيه أن معنى كلام المحقق هنا أنه لو فرض كون الاشتراك في جيّد الحنطة ورديئها، بحيث كان المنّان من الردىّ يساوى المنّ الواحد من الجيّد، فلو أخذ أحدهما المنّين في مقابل الواحد من الجيّد جاز ولا يلزم الربا، لأنه تقسيم أي تعيين لحق كلّ واحد وليس بيعاً، وإن كان التقسيم في حقيقته معاوضة.
قلت: لكن ظاهر العبارة لا يساعد هذا المعنى، فإنه يقول: المقسوم إما متساوي الأجزاء كذوات الأمثال أو متفاوتها، فالأول يجبر الممتنع مع مطالبة الشريك بالقسمة، فلو فرض كونهما شريكين في الجيّد والردىّ، فإن أخذ المنّين من الردىّ في مقابل المنّ من الجيّد ليس تقسيماً إجباريّاً، بل من التقسيم المشتمل على الرد(5).
قال المحقق: «والثاني، إما أن يستضرّ الكلّ أو البعض أو لا يستضر أحدهم، وفي الأول لا يجبر الممتنع كالجواهر والعضائد الضيقة، وفي الثاني: إن التمس المستضر اُجبر من لا يتضرر، وإن امتنع المتضرر لم يجبر…»(6).
أقول: هذا حكم المقسوم المتفاوتة أجزاؤه، وتفصيله أنه إما أن يستضرّ كلّ الشركاء بقسمته أو بعضهم، أو لا يستضر أحدهم.
أما الثالث، فالحكم فيه واضح، فإنه يقسم بلا كلام، وأما إذا كان المال مما يوجب تقسيمه الضرر على كلّ الشركاء، فلا يقسم إلا برضاهم جميعاً، ولا يجبر الممتنع منهم، بل لا يجوز التقسيم الموجب للتلف حتى مع رضاهم، فلابدّ من التقسيم بطريق آخر من بيع أو صلح أو مهاياة، وإن كان الضرر متوجهاً إلى بعضهم، فإن امتنع المتضرر لم يجبر، لقاعدة نفي الضرر، وإن كان الملتمس للقسمة وهو المستضر اُجبر من لا يتضرر، وعلى كلّ حال، فلابدّ من أن لا يكون الضرر فاحشاً أو موجباً للسقوط عن الماليّة، وإلا قسم بنحو آخر.
وإن استلزم بقاء المال على الشركة ضرراً أكثر من الضرر اللاّزم بالتقسيم قسّم.
وأما إذا توقّف التقسيم على الردّ، قسّم المال كذلك بلا إجبار، كما سيأتي.
ولو كان الأقل ثمناً أكثر مرغوبية، فهل يراعى في القسمة جهة المرغوبيّة أو يراعى جهة الماليّة؟ وجهان مبنيّان على حدّ دلالة قاعدة لا ضرر ولا ضرار، فإن كانت رافعة لخصوص الضرر المالي، فالمفروض عدمه هنا لأجل التعديل بالقيمة، وإن قلنا بأنها ترفع الضرر الغرضي أيضاً، منعت التقسيم المضر بالغرض وإن لم يلزم الضرر المالي.
(1) شرائع الإسلام 4 : 101.
(2) جواهر الكلام 40 : 337.
(3) شرائع الإسلام 4 : 101.
(4) مسالك الأفهام 14 : 32.
(5) جواهر الكلام 40 : 338.
(6) شرائع الاسلام 4 : 101.