النظر في أخبار الترجيح و طريق الجمع بينها:
فنقول: إن هذه النصوص على طوائف:
الاولى: ما يدل على التنصيف، كخبر غياث بن إبراهيم، والحكم بالتنصيف قد يكون من جهة تساقط البينتين، فتكون مثل صورة دعوى المدعيين بلا بينة، والدليل على التنصيف هو ما ذكر هناك.
لا يقال: التنصيف يوجب العلم بالخلاف.
لأنا نقول: فرق بين الوصول إلى الواقع والعثور عليه، وبين الحكم الفاصل للخصومة، والحكم بالتنصيف هو طريق لفصل الخصومة.
وقد يكون من جهة العلم بكلتا البينتين بعنوان فصل الخصومة، فإنه وإن شهدت كلّ واحدة بكلّ المال، إلا أنه يؤخذ بنصف مدلول كلّ واحدة منهما، ويجمع بينهما ويحكم بالتنصيف لفصل الخصومة، نظير الجمع بين الروايات.
الطائفة الثانية:
ما يدل على التنصيف بعد اليمين، كخبر إسحاق بن عمار، وعلى هذه تحمل الطائفة الاولى الساكتة عن لزوم الحلف، فيكون وجه الجمع هو التنصيف بعد الحلف.
الطائفة الثالثة:
ما يدل على القرعة، فمن خرج اسمه كان الحق له، كخبر داود بن أبي يزيد العطار، فإنه يدل على أن طريق الحكم هو القرعة بلا تحليف فيما إذا كانت المرأة بيد ثالث بالأولوية، وكخبر سماعة، وخبر عبد الله بن سنان.
وهذه الاخبار وإن كانت ظاهرة في تمامية الحكم بالقرعة وبلا يمين، إلا أنها قضية في واقعة، ويمكن أن تحمل على الطائفة الدالّة على أن الإقتراع هو لتعيين من عليه الحلف وهي:
الطائفة الرابعة:
كخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري، وخبر الحلبي، فيكون طريق الجمع بين هاتين الطائفتين هو القرعة لتعيين من عليه الحلف، وحينئذ، يكون الحكم باليمين عملاً بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان».
ويتحصل مما ذكرنا: إن قاعدة فصل الخصومة هو الامور الثلاثة الآتية: البينة واليمين، ثم التنصيف وذلك في صورة فقدانهما للبينة أو وجدانهما لها ثم حلف كليهما أو نكولهما معاً، ويكون التنصيف فيما إذا كان مورد النزاع قابلاً له، وإلا فلا سبيل إلا القرعة.
وأما القول بالترجيح لاحدى البينتين على الاخرى بالأكثرية عدالة أو عدداً، مع الالتزام بالترتيب أو عدمه، فلم نجد له دليلاً في الأخبار، إلا خبر أبي بصير الذي قضى فيه لأكثرهم بينة واستحلفهم، وكيف كان، فلا مناص من أن يحمل الترجيح على توجه اليمين على من كانت بينته راجحة على بينة الآخر لهذه الجهة أو تلك، فالفاصل للخصومة هو اليمين، تحكيماً للقاعدة الكلية في باب القضاء، لأنا علمنا من خبر أبي بصير أن معنى مرجحيّة الأكثرية هو توجه اليمين على صاحب تلك البينة، فكذلك الكلام في صاحب البينة الأكثر عدالة.
وقد يستأنس لذلك بتقديم الإمام عليه السلام الأكثر عدداً، أي سواء كانت الاخرى أعدل أولا.
ولو وقع التعارض في مورد بين التنصيف والقرعة، تقدمت أدلّة القرعة، فمن خرج اسمه حلف وقضي له.
هذا هو طريق الجمع بين هذه الأخبار في هذه الصورة.
قال المحقق قدّس سرّه:
«وقال في المبسوط يقضى بالقرعة إن شهدتا بالملك المطلق، ويقسّم بينهما إن شهدتا بالملك المقيد، وإن اختصت إحداهما بالتقييد قضي بها دون الاخرى. والأول أنسب بالمنقول»(1).
وقد ضعّف في (الجواهر) ما عن المبسوط قال: وإن قيل في توجيهه: إنه جمع بين ما دلّ على القرعة وخبري تميم بن طرفة وغياث المتقدمين سابقاً بالتفصيل المزبور.
لكن فيه: إن المفروض في خبري سماعة وابن سنان من أخبار القرعة المقيدتين كما أن فيها المطلق أيضاً، وفي أخبار التنصيف المقيدتين كخبر غياث والمطلقتين كخبر تميم بن طرفة، فليس في ما ذكره جمع بين النصوص، بل في خبر إسحاق ما هو خارج عن الجميع وهو تحليفهما معاً، فأيهما حلف ونكل الآخر كانت للحالف، فإن حلفا جميعاً كانت بينهما نصفين، ولم أعرف من عمل به عدا ما تسمعه من ظاهر أبي علي(2).
(1) شرائع الإسلام 4 : 111.
(2) جواهر الكلام 40 : 429 ـ 430.