المسألة الرابعة
(في عدم قبول شهادة شارب المسكر)
قال المحقق قدّس سرّه: «شارب المسكر تردّ شهادته ويفسق، خمراً كان أو نبيذاً أو بتعاً أو منصفاً أو فضيخاً، ولو شرب منه قطرة»(1).
أقول: حرمة المسكر لا ريب فيها ولا خلاف، ويدلّ عليها الكتاب والسنّة، كما لا خلاف في أن شاربه تردّ شهادته ويفسق، وفي (الجواهر): الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر(2).
ولا فرق في هذا الحكم بين أن يشرب الخمر وهو كما قال الراغب: المتخذ من العنب والتمر(3)، أو النبيذ وهو كما في (النهاية): ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك(4)، أو بتعاً وهو بكسر الباء وسكون التاء وقد تفتح نبيذ العسل، وهو خمر أهل اليمن، أو منصفاً وهو من العصير كما في (المصباح): ما طبخ حتى بقي على النصف(5)، أو فضيخاً وهو كما في (النهاية): شراب يتخذ من البسر المفضوخ أي المشدوخ(6).
ويترتب ما ذكر من الآثار ولو شرب منه قطرة، وفي (كشف اللثام) و(الجواهر) قال الشافعي: من شرب يسيراً من النبيذ أحدّه ولا أُفسّقه ولا أردّ شهادته. وعن أبي حنيفة: لا أحدّه ولا أفسّقه ولا أردّ شهادته(7).
قال في (الكفاية): والأصحاب أطلقوا الحكم بأن شارب الخمر تردّ شهادته ويفسق، وهذا يدلّ على كون ذلك عندهم كبيرة(8).
قال المحقق: «وكذا الفقاع، وكذا العصير إذا غلا من نفسه أو بالنار ولو لم يسكر، إلا أن يغلي حتى يذهب ثلثاه»(9).
أقول: أما الفقاع فهو خمر قد استصغره الناس، وأما العصير العنبي فإذا غلا بنفسه أو بالنار يحرم وإن لم يسكر، فإن غلى حتى يذهب ثلثاه حلّ الثلث الباقي. قال في (الكفاية): قد ذكروا في هذا المقام العصير العنبي إذا غلا قبل ذهاب الثلثين، وتحريمه ثابت، لكن في كونه كبيرة تأمل، والأقرب عدم ذلك(10). فتأمل.
قال: «وأما غير العصير من التمر والبسر فالأصل أنه حلال ما لم يسكر»(11).
أقول: أي، فإن أسكر حرم، لأن كلّ مسكر حرام.
قال: «ولا بأس باتخاذ الخمر للتخليل»(12).
أقول: يدلّ على ذلك ما رواه زرارة «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلاً؟ قال: لا بأس»(13).
وعن عبيد بن زرارة قال «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلاً. قال: لا بأس»(14).
قال في (الجواهر): سواء كان بعلاج أو غيره، بل لعلّ الظاهر ما في (كشف اللثام) من أنه لا يحكم بفسق متخذ الخمر إلا إذا علم أنه لا يريد به التخليل(15).
وفي (المسالك): ترك العلاج بشي أفضل(16).
قلت: وجه أفضلية الترك ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سئل عن الخمر يجعل فيها الخل، فقال: لا إلا ما جاء من قبل نفسه»(17) قال صاحب الوسائل: «حمله الشيخ على استحباب تركها حتى تصير خلاًّ من غير أن يطرح فيها ملح أو غيره»(18).
(1) شرائع الإسلام 4 : 128.
(2) جواهر الكلام 41 : 46.
(3) المفردات في غريب القرآن : 159.
(4) النهاية في غريب القرآن والحديث 5 : 7.
(5) المصباح المنير : 608.
(6) النهاية في غريب الحديث 3 : 453.
(7) كشف اللثام 10 : 292 ، جواهر الكلام 41 : 46 و47.
(8) كفاية الأحكام 2 : 750.
(9) شرائع الإسلام 4 : 128.
(10) كفاية الأحكام 2 : 750.
(11) شرائع الإسلام 4 : 128.
(12) شرائع الإسلام 4 : 128.
(13) وسائل الشيعة 25 : 277/1 . ابواب الأشربة المباحة ، الباب 33.
(14) وسائل الشيعة 25 : 370/3 . أبواب الأشربة المحرمة ، الباب 31.
(15) جواهر الكلام 41 : 47 ، كشف اللثام 10 : 293.
(16) مسالك الإفهام 14 : 179.
(17) وسائل الشيعة 25 : 371/7 . أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31.
(18) وسائل الشيعة 25 : 372 ، النهاية : 592.