المسألة الثالثة
(في حرمة اللعب بآلات القمار مطلقاً)
قال المحقق قدّس سرّه: «اللعب بآلات القمار كلّها حرام، كالشطرنج والنرد والأربعة عشر وغير ذلك، سواء قصد اللهو أو الحذق أو القمار»(1).
أقول: لا ريب في حرمة اللّعب بآلات القمار نصّاً وفتوىً، كما لا ريب في حرمة التصرف في المال الحاصل من هذا الطريق، لأنه أكل للمال بالباطل.
ولنذكر طائفة من نصوص المسألة:
1 ـ زياد بن عيسى قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله عزّوجلّ: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)(2) فقال: كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله، فنهاهم الله عزّوجلّ عن ذلك»(3).
2 ـ جابر «عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما أنزل الله على رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(4) قيل: يا رسول الله ما الميسر؟ فقال: كلّ ما تقومر به حتى الكعاب والجوز. قيل: فما الأنصاب؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم. قيل: فما الأزلام؟ قال: قداحهم التي يستقسمون بها»(5).
3 ـ حماد بن عيسى، قال: «دخل رجل من البصريين على أبي الحسن الأوّل عليه السلام، فقال له: جعلت فداك، إني أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج ولست ألعب بها ولكن أنظر، فقال: مالك ولمجلس لا ينظر الله إلى أهله»(6).
4 ـ سليمان الجعفري «عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: المطّلع في الشطرنج كالمطّلع في النار»(7).
5 ـ ابن رئاب قال: «دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك، ما تقول في الشطرنج؟ فقال: المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير.
قال فقلت: ما على من قلب لحم الخنزير؟ قال: يغسل يده»(8).
6 ـ أبو بصير عن أبي عبد الله السلام قال: «بيع الشطرنج حرام، وأكل ثمنه سحت، واتخاذها كفر، واللّعب بها شرك، والسلام على اللاّهي بها معصية وكبيرة موبقة، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير، لا صلاة له حتى يغسل يده كما يغسلها من مس لحم الخنزير، والناظر إليها كالناظر في فرج اُمه، واللاّهي بها والناظر إليها في حال ما يلهي بها والسلام على اللاّهي بها في حالته تلك في الإثم سواء، ومن جلس على اللعب بها فقد تبوّء مقعده من النار، وكان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة، وإياك ومجالسة اللاهي والمغرور بلعبها، فإنها من المجالس التي باء أهلها بسخط من الله، يتوقّعونه في كلّ ساعة فيعمك معهم»(9).
7 ـ الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن اللّعب بالنرد والشطرنج والكوبة والعرطبة وهي الطنبور والعود، ونهى عن بيع النرد»(10).
8 ـ معمر بن خلاد «عن أبي الحسن عليه السلام قال: النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(11).
9 ـ أبو بصير «عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: النرد والشطرنج هما الميسر»(12).
10 ـ عيون الأخبار عن الرضا عليه السلام في رسالته إلى المأمون، في ذكر الكبائر: «والميسر وهو القمار»(13).
11 ـ الفضيل قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس: النرد والشطرنج حتى انتهيت إلى السدر، فقال: إذا ميّز الله الحق من الباطل مع أيّهما يكون؟ قال: مع الباطل، قال: فمالك وللباطل؟»(14).
12 ـ زيد الشحام قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّوجلّ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاَْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)(15) قال: الرجس من الأوثان الشطرنج، وقول الزور الغناء»(16).
13 ـ عمر بن يزيد «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لله عزّوجلّ في كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، إلا من أفطر على مسكر، أو مشاحن أو صاحب شاهين. قلت: وأي شيء صاحب الشاهين؟ قال: الشطرنج»(17).
14 ـ العلاء بن سيابة: «سمعته يقول: لا تقبل شهادة صاحب النرد والأربعة عشر، وصاحب الشاهين…»(18).
دلّت هذه الأخبار وغيرها على حرمة اللعب بآلات القمار على اختلاف أنواعها، وسواء كان اللعب مع المراهنة أو بدونها.
إنما الكلام في أنه هل اللعب بها من الكبائر، فتزول به العدالة وتردّ الشهادة ولو بمرّة واحدة، أو أنه من الصغائر فلا تزول به العدالة إلا مع الإصرار؟
ظاهر المحقق وغيره بل الأكثر هو الأوّل، وعليه صاحب (الجواهر)(19) وهو المختار.
وذهب صاحب (المسالك) إلى الثاني حيث قال: «وظاهر النهي أنها من الصغائر، فلا تقدح في العدالة إلا مع الاصرار»(20).
واستحسنه في (الكفاية)(21).
وفي (الرياض): «في زوال العدالة به من دون إصرار إشكال، لعدم ما يدلّ على كونه من الكبائر، وإنما المستفاد من النصوص مجرّد النهي عنه وتحريمه من دون توعيد عليه بالنار، فهو من الصغائر، لا يقدح في العدالة إلا مع الإصرار عليها، نعم ربما يستفاد من جملة من الأخبار التوعيد بها في اللعب بالشطرنج… لكنها مع قصور أسانيدها جملةً غير واضحة الدلالة…»(22).
قلت: إن العمدة في وجه ما ذهبوا إليه تخصيص الكبائر بما أوعد الله عليه النار في القرآن المجيد، كما تقدّم عن (الكفاية) اختياره ونسبته إلى الأشهر(23)، وعدم الإعتناء بالأخبار الواردة في بيان الكبائر وتعيينها، وهذا مشكل.
وأما في المقام، فإن استدلالنا هو بمجموع تلك الأخبار، بألفاظها المختلفة وتعابيرها الشديدة كجعل (الرِّجْسَ مِنَ الاَْوْثَانِ) هو «الشطرنج»، وأنه والنرد من «الباطل» وأن الناظر إلى الشطرنج كالناظر في فرج اُمه، بل إن كلّ ما تقومر به فهو «الميسر»، بل في بعضها وهو خبر عيون الأخبار التصريح بكون «الميسر» من «الكبائر» ولا يبعد تمامية سنده، بل في بعضها: أن السلام على اللاّهي بالشطرنج معصية وكبيرة موبقة.
وكيف كان، فإن الأخبار بمجموعها ظاهرة في أن اللعب بآلات القمار معصية كبيرة توجب السقوط عن العدالة. ومع التسليم بضعفها سنداً(24)، فإن دعوى عدم الجابر لها ضعيفة، إذ يكفي في الجبر تعاضد النصوص والفتاوى على أن الأصل في كلّ معصية كونها كبيرة، لأن الأصل عدم تكفيرها.
ويترتب على هذا الأصل: اختلال العدالة بارتكاب المعصية المشكوك كونها كبيرة أو صغيرة.
فلو شك في بقاء عدالة المرتكب للمعصية المشكوك فيها من هذا الحيث، فإن كان الشك مسبباً عن الشك في كونها كبيرة أو صغيرة، لم يجر استصحاب بقاءها، وإلا فالظاهر جريانه في نفسه خلافاً لصاحب (الجواهر) القائل بالعدم من جهة تبدّل الموضوع(25) ضرورة اتحاد الموضوع وهو الشخص في نظر العرف، بعد البناء على أن المعتبر هو نظر العرف في أمثال المقام.
(1) شرائع الإسلام 4 : 128.
(2) سورة البقرة 2 : 188.
(3) وسائل الشيعة 17 : 164/1 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 35.
(4) سورة المائدة 5 : 90.
(5) وسائل الشيعة 17 : 165/4 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 35.
(6) وسائل الشيعة 17 : 322/1 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 103.
(7) وسائل الشيعة 17 : 322/2 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 103.
(8) وسائل الشيعة 17 : 322/3 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 103.
(9) وسائل الشيعة 17 : 323/4 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 103.
(10) وسائل الشيعة 17 : 325/6 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 104.
(11) وسائل الشيعة 17 : 323/1 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 104.
(12) وسائل الشيعة 17 : 324/2 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 104.
(13) وسائل الشيعة 15 : 329/33 . أبواب جهاد النفس ، الباب 46.
(14) وسائل الشيعة 17 : 324/4 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 104.
(15) سورة الحج 22 : 30.
(16) وسائل الشيعة 17 : 318/1 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 102.
(17) وسائل الشيعة 17 : 319/4 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 102.
(18) وسائل الشيعة 27 : 380/1 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 33.
(19) جواهر الكلام 41 : 45.
(20) مسالك الأفهام 14 : 177.
(21) كفاية الأحكام 2 : 752.
(22) رياض المسائل 15 : 266 267 . وفيه : غير واضحة الأسانيد.
(23) كفاية الأحكام 2 : 745.
(24) أقول: عمدة أخبار المسألة في هذه الجهة خبر المستطرفات عن جامع البزنطي، وقد اختلف مشايخنا في أخبار المستطرفات، فمنهم من لا يعتمد عليها، لعدم ثبوت الطرق المعتبرة إلى تلك الأخبار، ومنهم من يعتمد، لأن ابن ادريس من المنكرين لحجية الأخبار الآحاد، فلولا ثبوت تلك الأخبار بطرق معتبرة لما استطرفها في آخر سرائره، وللبحث في هذا الموضوع مجال آخر.
(25) جواهر الكلام 41 : 46.