9 ـ في قبول الشهادة على الشهادة على الإقرار وأثر ذلك
قال المحقق قدّس سرّه «ولو أقر باللّواط أو الزنا بالعمة والخالة أو بوط البهيمة، ثبت بشهادة شاهدين، وتقبل في ذلك الشهادة على الشهادة، ولا يثبت بها حدّ، ويثبت انتشار حرمة النكاح. وكذا لا يثبت التعزير في وط البهيمة، ويثبت تحريم الأكل في المأكولة وفي الاخرى وجوب بيعها في بلد آخر»(1).
أقول: إن اللواط يوجب الحد وانتشار حرمة النكاح، فمن لاط بغلام وجب عليه الحدّ وحرمت عليه أُمه وأُخته، والزنا بالعمة والخالة يوجب الحدّ وانتشار حرمة النكاح، فيحرم على الزاني ابنة العمة وابنة الخالة، وكذا الكلام في مطلق الزنا على القول بانتشار الحرمة به، والزاني بامرأة مكرهاً لها عليه الحدّ ومهر مثلها. ووطئ البهيمة موجب للتعزير، ثم الحيوان الموطوء إن كان مأكولاً حرم أكله وأكل ما يتولد منه، وينجس بوله، ويحرم لبنه، وإلا فيجب بيعه في بلد آخر.
فإن أقرّ الفاعل وسمع عدلان إقراره وشهدا بما سمعا عند الحاكم، وجب الحدّ أو التعزير وغيرهما من الآثار، فإن شهد عدلان على شاهدين شهدا منه الإقرار فهنا حكمان مسلّمان، أحدهما: قبول هذه الشهادة على الشهادة، لإطلاق أدلة الشهادة على الشهادة. والآخر: عدم ثبوت الحدّ والتعزير بناء على كونه من الحدود لما تقدم من عدم ثبوت الحدّ بالشهادة على الشهادة بالنص والإجماع.
إنما الكلام في ثبوت الأحكام والآثار الاخرى، فهل تثبت أو لا تثبت كالحدّ؟ وجهان كما في (المسالك): من تلازم الأمرين أو الامور وكونها معلول علّة واحدة، ولو ثبت بعضها لزم ثبوت البعض الآخر لترتب الجميع على ثبوت أصل الفعل وهو الوطي.
ومن وجود المانع في بعضها وهو الحدّ بالنص والإجماع، فيبقى الباقي، لأنه حق آدمي لا مانع من إثباته بشهادة الفرع، وتلازم معلولات الأحكام المستندة إلى علّة واحدة ممنوع، ومن ثم يثبت بالشهادة على الشهادة بالسرقة المال دون الحدّ، وكذا مع الشاهد والمرأتين وبالعكس(2)…
وقد اختار المحقق وتبعه صاحبا (المسالك) و (الجواهر) الأوّل، وهو الأقوى.
فعلى هذا، يثبت بشهادة الفرع حق الآدمي دون الحدّ، سواء كانت الشهادة على نفس السبب وهو الزنا واللواط أم على الإقرار بذلك…
فلماذا خص المحقق قدّس سرّه الحكم هنا بالإقرار؟
قال في (المسالك): إنما فرض المصنف الحكم بالإقرار، حذراً من تبعيض حكم السبب الواحد على تقدير الشهادة بنفس الزنا مثلاً، فإنه سبب في الحدّ وفي نشر الحرمة، فيشكل تبعّض الشهادة في أحدهما دون الآخر، بخلاف الإقرار بالفعل، فإنه ليس سبباً للحدّ، وإنما السبب هو الفعل المقرّ به. والأصح عدم الفرق(3).
وقد ذكر في (الجواهر) كلام المسالك هذا، ونسبه إلى غير واحد، ثم اعترضه بقوله: وفيه: إن كان المراد إثبات الزنا نفسه بالشاهدين بالنسبة إلى الأحكام دون الحدّ، فإن ذلك لا يقتضي إلا جواز وروده من الشرع، أما مع فرض عدمه وليس إلا الأدلة المزبورة فالمتّجه عدم تبعّض أحكام الموضوع الواحد، خصوصاً بعد قوله تعالى (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)(4). الظاهر في عدم ثبوت الموضوع أصلاً بدونهم، لا أنهم كاذبون بالنسبة إلى الحدّ دون غيره.
أي: إنه لا يوجد عندنا دليل على أن الشهادة على الشهادة بالإقرار طريق لثبوت الزنا من حيث نشر الحرمة، وليس طريقاً لثبوته من حيث الحدّ، بل الدليل لقبول الشهادة على الشهادة لسانه واحد وهو ثبوت الزنا، فيترتب عليها جميع آثاره خصوصاً بعد الآية الكريمة الظاهرة في الشهادة عن أصل الزنا لا عن الزنا من حيث الحدّ، وحيث لا يثبت الزنا فلا حدّ ولا نشر للحرمة .
ثم قال: نعم، قد يقال بنحو ذلك فيما نحن فيه، لظهور الأدلّة في إثبات شهادة الفرع شهادة الأصل في غير الحدّ، فيتجه حينئذ التبعيض فيها، لا في أصل الزنا لو فرض حصول شهادين. فتأمل جيّداً(5).
أي: إنا لا نقول كما قال صاحب (المسالك) وغيره، بل نقول بأن الشهادة على الشهادة بالزنا نظير الشهادة على الشهادة بالإقرار، فإن الفرع يريد إثبات شهادة الأصل على الزنا، كما يريد الفرع إثبات شهادة الأصل على الإقرار، فكما أن ثبوت الإقرار أعم من وجود الزنا وعدمه، كذلك وجود الشاهد عليه أعم من تحقق الزنا منه وعدمه. إذن، يثبت التبعيض مع الشهادة على الشهادة بالزنا.
أقول: وكيف كان، فإن الغرض من ثبوت الزنا إثبات حكمه وترتيب آثاره، لكن للشارع أن يرفع اليد عن بعض الآثار دون البعض الأخر، وقد قام الدليل على رفعه اليد عن الحدّ، وبقيت الآثار الاخرى تحت إطلاقات أدلّة قبول الشهادة على الشهادة.
وعلى كلّ حال، ففي المسالك: إن كانت الشهادة على الإقرار كفى اثنان في الأصل والفرع على كلّ منهما، لأن الإقرار مما يثبت بالشاهدين، وقيل: يتوقف الإقرار بالزنا على أربعة كأصله، واختاره العلامة(6).
وإن كان شهادة الأصل على نفس الزنا اعتبر كونهم أربعة، وهل يشترط ذلك العدد في شاهد الفرع أم يكفي على كلّ واحد اثنان؟ فيه وجهان، ينشآن من أنهما شهادة على الزنا وتلك الأحكام تابعة له، وأنه لو اكتفى باثنين لكان شهود الأصل أسوأ حالاً من شهود الفرع، مع أن الظاهر العكس أو التساوي.
ومن أن المقصود هو حق الآدمي من المال وغيره، وهو مما يكفي فيه اثنان، ويمنع اشتراط مساواة شهود الفرع للأصل مطلقاً، إذ لا دليل عليه(7).
(1) شرائع الإسلام 4 : 140.
(2) مسالك الأفهام 14 : 286.
(3) مسالك الأفهام 14 : 287.
(4) سورة النور 24 : 13.
(5) جواهر الكلام 41 : 210.
(6) مختلف الشيعة 8 : 531.
(7) مسالك الأفهام 14 : 287 288.