7 ـ الكلام في شهادة النساء على الشهادة
قال المحقق قدّس سرّه: «وتقبل شهادة النساء على الشهادة في ما تقبل فيه شهادة النساء منفردات(1)، كالعيوب الباطنة والاستهلال والوصية، وفيه تردد أشبهه المنع»(2).
أقول: قال في (المسالك): إعلم أن قول المصنف تقبل شهادة النساء… الخ. يدل على أن مورد الخلاف شهادتهن عليهن في موضع ينفردن بالشهادة، فيخرج من ذلك ما لو كان في موضعهن رجال حيث يجوز انفرادهن، فإن الشهادة في هذا المحلّ لا تختص بهن بل يجوز بالرجال أيضاً بطريق أولى. ويخرج من ذلك أيضاً ما لو كان المحلّ مما تقبل فيه شهادتهن منضمات، سواء شهدن فرعاً على النساء أم على الرجال(3).
وفي (النافع) جعل مورد الخلاف شهادتهن على الشهادة في الموضع الذي يقبل فيه شهادتهن، وهو شامل لجميع هذه الموارد(4).
وبهذا صرّح جماعة منهم: الشهيد في (الشرح) والعلامة في كتاب (المختلف)(5) وهو الحق.
وعلى هذا، فموضع القول بالجواز شهادتهن على الشهادة فيما لهن فيه مدخل سواء شهدن على مثلهن أم على الرجال، وحينئذ، فيشهد على شاهد أربع نساء سواء كان المشهود عليه رجلاً أم امرأة، فلو كنّ أربع نساء شهد عليهن ست عشرة امرأة إن لم يشتركن في الشهادة على أزيد من واحدة، وإلا أمكن الاجتزاء بالأربع، كما مرّ في شهادة الرجلين.
إذا عرفت هذا، ففي المسألة قولان:
أحدهما: الجواز. ذهب إليه الشيخ في (الخلاف)(6) وقواه في (المبسوط) لكنه جعل الآخر أحوط(7)، وابن الجنيد الإسكافي والعلامة في (المختلف )(8).
والثاني: المنع. ذهب إليه الشيخ في موضع من (المبسوط)(9) وابن إدريس(10)والعلامة في غير المختلف(11)، والمحقق هنا.
وتردد المحقق في (النافع) وكذا العلامة في (الإرشاد)(12).
وجه الأول: قال الشيخ في (الخلاف): «لا تقبل شهادة النساء على الشهادة إلا في الديون والأملاك والعقود… وقال قوم: لا تقبل شهادة النساء على الشهادة بحال في جميع الأشياء… دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم»(13).
قال العلاّمة: والوجه ما قاله الشيخ في الخلاف. لنا: عموم قول علي عليه السلام: شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه. فإن ذلك شامل للشهادة بالأصالة والفرعية. ولأنا قد بيّنا أن شهادة امرأتين تساوي شهادة الرجل، فإذا شهد رجلان على رجل جاز أن تشهد أربع نساء على ذلك الرجل قضية للتساوي(14).
وفي (المسالك) نسبة الإستدلال بالأصل أيضاً إلى (المختلف)(15)، لكنه غير موجود في النسخة التي نقلنا منها عبارته.
قلت: أما الإجماع الذي ادّعاه الشيخ، ففي (الجواهر) نسبة القول الثاني إلى المشهور خصوصاً المتأخرين(16)…
وأما مراده من الأخبار، فقد أوضحه العلامة في (المختلف) فإنه بعمومه شامل للشهادة أصلاً وفرعاً، بل الثاني فهما أولى بالقبول من الأول، لاستناده إلى شهادة الأصل. فهذا هو الوجه الأول.
والوجه الثاني: ما ذكره العلامة من المساواة بين شهادة المرأتين وشهادة الرجل، المستفادة من قوله تعالى: (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)(17).
ووجه الثاني: قال في (المسالك): إن المجوز له إنما هو الضرورة، أما بضرورة الانفراد أو لفقد الرجال كما في حالة الوصية، ولا ضرورة هنا. ولاختصاص النساء ببعض الأحكام غالباً(18).
وفي (الجواهر): للأصل بعد ظهور النصوص السابقة في اعتبار الرجلين في الشهادة على الشهادة، السالم عن معارضة الإطلاق المزبور الظاهر في قبول شهادتهن عليه نفسه الذي لا تطلع عليه الرجال غالباً، لا الشهادة عليه التي هي عكس ذلك. والأولويّة الواضحة المنع، بل والاجماع المزبور المتبين خلافه. ولذا قال في كشف اللثام: دون ثبوته خرط القتاد(19). ووهنه في (الرياض) بندرة القائل بمضمونه عدا الناقل ونادر(20). والأخبار المرسلة التي لم نقف منها على خبر واحد كما اعترف به أيضاً بعضهم.
ومن هنا يقوى إرادة ما دلّ على قبول شهادة رجل وامرأتين منهما، لكن كان عليه ضم الكتاب معها أيضاً. إلا أنه لا يخفى عليك ظهورها في ما لا يشمل الشهادة على الشهادة. والتساوي المزبورلم يثبت عمومه للمفروض بوجه يقطع العذر شرعاً، خصوصاً بعد عدم حجية كلّ ظن للمجتهد والقياس والإستحسان. وكذا الكلام في الأخير، ضرورة عدم ثبوته على وجه يشمل الفرض أيضاً، وإلا لأجزأ الشاهد واليمين الثابت في النصوص إثباتهما لجميع حقوق الآدميين، فهما أولى من النساء في ذلك، ولا أظن أحداً يقول به، خصوصاً بعد التصريح بعدم الاجتزاء به في الخبر السابق في احدى النسختين. انتهى كلامه قدّس سرّه(21).
أقول: إن حاصل ما ذكر للمنع هو الجواب عمّا استدلّ به المجوزون من النص والإجماع، وحينئذ، يكون المرجع هو الأصل.
لكن فيما ذكر من الجواب تأمل، إذ يمكن أن يقال بالنسبة إلى النصوص:
أوّلاً: إن النصوص الواردة في الشهادة على الشهادة لا وجه لتقييدها بالرجل وإن كانت واردة في مورده ولا هي ظاهرة في اعتباره في الشهادة على الشهادة.
وثانياً: إن أدلّة قبول شهادة النساء فيما تقبل شهادتهن فيه، لا ظهور لها في صورة كونهن شاهد أصل، بل هي أعم من الشهادة ومن الشهادة على الشهادة ، كما قلنا بالنسبة إلى أدلة قبول شهادة العدل من أنها أعمّ من الرجل والمرأة، ولا مقيّد لهذا الإطلاق بصورة تعذر الرجل.
بل إن الشهادة على الشهادة شهادة عرفاً، والخطابات الشرعية منزلة على المفاهيم العرفية.
فهذا هو العمدة في الاستدلال للقول الأوّل، وبعد تماميته، لا يبقى مجال للرجوع إلى الأصل.
وأما الإجماع الذي ادّعاه الشيخ، فما ذكره (الجواهر) وارد عليه، لكن يحتمل أن يكون مراد الشيخ أن الشهادة على الشهادة شهادة، فيكون قبول شهادتها على الشهادة فيما تقبل فيه شهادتهن فيه مجمعاً عليه، لأن من منع القبول فقد خالف في كون الشهادة على الشهادة مصداقاً للشهادة.
فتلخص: أن الأظهر هو القول الأوّل، لعدم ظهور نصوص الشهادة على الشهادة في اعتبار الرجولية، ولأن الشهادة على الشهادة مصداق للشهادة. والله العالم.
(1) قوله: منفردات. يمكن أن يكون المراد قبول شهادتهن من دون حاجة إلى ضم الرجال، وان كان مما تقبل فيه شهادة الرجال، ويشهد بذلك ذكره للوصية.
(2) شرائع الإسلام 4 : 140.
(3) مسالك الأفهام 14 : 284.
(4) المختصر النافع : 282.
(5) مختلف الشيعة 8 : 516 ، مسالك الأفهام 14 : 284.
(6) كتاب الخلاف : 6/316 ، المسألة 66.
(7) المبسوط في فقه الإمامية 8 : 233 234.
(8) مختلف الشيعة 8 : 516.
(9) المبسوط 8 : 126.
(10) السرائر 2 : 128 ـ 129 .
(11) قواعد الأحكام 3 : 505 ، تحرير الأحكام 5 : 283.
(12) المختصر النافع : 282 ، إرشاد الأذهان 2 : 165.
(13) كتاب الخلاف : 6/316 ، المسألة 66.
(14) مختلف الشيعة 8 : 516.
(15) مسالك الأفهام 14 : 283.
(16) جواهر الكلام 41 : 208.
(17) سورة البقرة 2 : 282.
(18) مسالك الأفهام 14 : 284.
(19) كشف اللثام 10 : 365.
(20) رياض المسائل 15 : 408.
(21) جواهر الكلام 41 : 208.