3 ـ في العدد المعتبر في الشهادة على الشهادة
قال المحقق قدّس سرّه: «ولابدّ أن يشهد اثنان على الواحد، لأن المراد إثبات شهادة الأصل، وهو لا يتحقق بشهادة الواحد، فلو شهد على كلّ واحد اثنان صح، وكذا لو شهد اثنان على شهادة كلّ واحد من شاهدي الأصل»(1).
أقول: والحاصل، إن المعتبر أن تثبت شهادة كلّ واحد من شاهدي الأصل بشهادة اثنين، سواء كان الشاهدان على شهادة زيد منهما نفس الشاهدين على شهادة عمر منهما أو كانا غيرهما، وسواء كان كلاهما شاهدي فرع أو كان أحدهما شاهد فرع والآخر شاهد أصل، إذ كونه شاهد أصل لا ينافي كونه مع ذلك شاهد فرع.
والدليل على ذلك كلّه عموم الأدلّة.
«وكذا لو شهد اثنان على جماعة كفى شهادة الاثنين على كلّ واحد منهم، وكذا لو كان شهود الأصل شاهداً وامرأتين فشهد على شهادتهم اثنان، أو كان الأصل نساءاً فيما يقبل فيه شهادتهن منفردات كفى شهادة اثنين عليهن»(2).
أقول: وكلّ ذلك لعموم الأدلة المقتضية لقبول شهادة العدلين، اتحد المشهود به أو تعدد، وكذا المشهود عليه.
وقد تعرّض في (الجواهر) لخلاف الشافعي في هذه المسألة في أحد قوليه وهو كما في (الخلاف): «إنه لا يثبت حتى يشهد آخران على شهادة الآخر، وهو اختيار المزني»(3) وحينئذ يعتبر شهود أربعة على الشاهدين، وعلى الرجل والمرأتين ستة، وعلى الأربع نساء ثمانية، وهكذا. قال في (الجواهر ): وضعفه واضح، حتى على ما قيل من أن مبنى الخلاف في جواز كون الأصل فرعاً وعدمه، على أن الإشهاد على الشهادة هل هو لإثبات الشهادة أو لحكم النيابة عنها(4)؟
أقول: قد عنون الشيخ في (الخلاف) هذا الخلاف بقوله: «تثبت بالشهادة على الشهادة شهادة الأصل، ولا يقومون مقام الأصل في إثبات الحق، وللشافعي فيه قولان، أحدهما مثل ما قلناه، والآخر: إنهم يقومون مقام الأصل في إثبات الحقوق.
دليلنا: إن شاهد الفرع لو كان يقوم مقام الأصل في إثبات الحق لما جازت الشهادة على الشهادة، لأنه إن كان الحق إثبات فعل كالقتل والإتلاف، لم يثبت بشهادة الفرع، لأنه يحتاج إلى مشاهدة والفرع ما شاهد الفعل، وإن كان الحق عقداً افتقر إلى سماع ومشاهدة، والفرع ما سمع وما شاهد، فلما أجمعنا على جواز الكلّ ثبت أن الفرع يثبت بشهادة الأصل بلا شبهة»(5).
قال في (الجواهر): فعلى الأوّل الذي هو مذهب الأصحاب: يجوز أن يكون الأصل فرعاً لا على الثاني الذي احتمله في (الدروس) أي بقوله: ولو قلنا يقومون مقام الأصل في إثبات الحق اشترط مغايرة الشهود، وهذا ضعفه الشيخ(6) لأنه لا يصح أن يكون نائباً عن نفسه وغيره، لأن قيامه بنفسه يستدعي استغناءه عن الغير، ونيابته تقتضي افتقاره فلا يجتمعان.
فأجاب رحمه الله عن قول الشافعي الذي احتمله في (الدروس) حتى على القول الثاني في مبنى الخلاف، بقوله: «إذ قد يقال بكفاية التغاير الاعتباري عليه، نحو ما سمعته في اتحاد الموجب والقابل، والأمر سهل بعد وضوح الحال عندنا»(7).
أقول: قد يقال: بأن حكم الحاكم بالقتل حيث يشهد شاهد أصل مع آخر على شهادة أصل آخر إن كان بشهادة الفرع، فالمفروض أن الشهادة هنا حاصلة من شاهد فرع واحد مع أحد الأصلين لا من شاهدي فرع، وإن كان بشهادة الأصل وشهادة الفرع مثبتة لها، فالمفروض أن أحد الأصلين قد ثبت شهادته بفرع واحد، وقد تقدم اعتبار شاهدين اثنين.
ثم قال في (الجواهر): لكن في الرياض بعد أن ذكر الإطلاق دليلاً للأصحاب حاكياً له عن جمع قال: «وفي التمسك به لولا الإجماع نظر» فاعترضه بقوله: «ولا أعرف وجه النظر الذي أضمره في نفسه، كما أني لم أعرف أحداً سبقه إلى ذلك»(8).
قلت: لا وجه له، اللهم إلا دعوى الإنصراف، ولا وجه لها.
قال: نعم في القواعد الإشكال في الإجتزاء باثنين في شهود الزنا بالنسبة إلى ترتب نشر الحرمة والمهر لا الحدّ(9): من أن المقصود حق الآدمي من المهر وغيره. ومن أنه تابع للزنا ونحوه، فلا يثبت إلا بثبوته، ولا يثبت إلا بأربعة، وأنه لابدّ في الأصل من أربعة، وهو لا يكون أسوء حالاً من الفرع. أو من أن الفرع نائب عن الأصل فيشترط الأربعة أو لا يثبت به إلا شهادة الأصل، فيكفي الاثنان.
واعترضه بقوله: وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا، على أن الذي سمعته من العامة هو أحد قولي الشافعي، وإلا، فالذي يظهر من خبري البزنطي وابن هلال عن الرضا عليه السلام اكتفاؤهم بالواحد على شهادة المائة.
قال في الأول: «سمعت الرضا عليه السلام يقول: قال أبو حنيفة لأبي عبد الله: تجيزون شهادة واحد ويمين؟ قال: نعم، قضى به رسول الله وقضى علي بين أظهركم بشاهد ويمين، فتعجب أبو حنيفة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أتعجب من هذا؟ إنكم تقضون بشاهد واحد في مائة شاهد، فقال له: لا نفعل . فقال: بلى تبعثون رجلاً واحداً يسأل عن مائة شاهد فيجيزون شهادتهم بقوله، وإنما هو رجل واحد»(10).
وقال في الثاني: «إن جعفر بن محمد قال له أبو حنيفة: كيف تقضون باليمين مع الشاهد الواحد؟ فقال جعفر: قضى به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقضى به علي عندكم. فضحك أبو حنيفة، فقال له جعفر: أنتم تقضون بشهادة واحد شهادة مائة، فقال: ما نفعل. فقال: بلى، يشهد مائة، فترسلون واحداً يسأل عنهم ثم تجيزون شهادتهم بقوله»(11).
قال: ومنه يعلم ما في حمل الخبر الأوّل على التقية(12).
قلت: يعني خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه: «إن علياً قال: لا تقبل شهادة رجل على رجل حي وإن كان باليمن». قال في (الوسائل): «حمله الشيخ على التقية» وجوز حمله على عدم قبول شهادة رجل واحد على شاهد الأصل، بل لابدّ من شاهدين(13).
أقول: والوجه هو الحمل الثاني، لأن التقية إن كانت من علي عليه السلام فهو لم يكن في تقية، وإن كانت من الصادق أو غيره من الأئمة عليهم السلام، فإسناد المطلب إلى علي عليه السلام كذب، والعياذ بالله.
وهذا وجه إشكال الحمل على التقية لا ما ذكره صاحب (الجواهر).
(1) شرائع الإسلام 4 : 138.
(2) شرائع الإسلام 4 : 138.
(3) كتاب الخلاف : 6/318 ، المسألة 70.
(4) جواهر الكلام 41 : 193.
(5) كتاب الخلاف : 6/319 ، المسألة 71.
(6) الدروس الشرعية 2 : 141.
(7) جواهر الكلام 41 : 193.
(8) رياض المسائل 15 : 407 ، جواهر الكلام 41 : 193.
(9) قواعد الأحكام 3 : 505.
(10) وسائل الشيعة 27 : 269/17 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 14.
(11) وسائل الشيعة 27 : 268/13 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 14.
(12) جواهر الكلام 41 : 193 194.
(13) وسائل الشيعة 27 : 403/3 . كتاب الشهادات ، الباب 44.