المسألة الثالثة
(في أنه لو شهد أحدهما على كون المسروق ديناراً والآخر درهماً)
قال المحقق قدّس سرّه: «لو قال أحدهما: سرق ديناراً. وقال الآخر درهماً. أو قال أحدهما: سرق ثوباً أبيض وقال الآخر: أسود، ففي كلّ واحد منهما يجوز أن يحكم مع يمين المدعي، لكن يثبت له الغرم ولا يثبت القطع»(1).
أقول: لو شهد الشاهدان على فعل واختلفا في زمانه أو مكانه أو صفة له، فإن احتمل تغاير الفعلين وادعى المدعي التغاير، كان له الحلف مع كلا الشاهدين وأخذ كليهما، وإلا حلف مع الذي يوافق دعواه وحكم له، لكن يثبت له الغرم دون القطع، لأنه حدّ ولا يثبت بالشاهد واليمين.
قال: «ولو تعارض في ذلك بيّنتان على عين واحدة سقط القطع للشبهة ولم يسقط الغرم»(2).
أقول: لو شهد اثنان على سرقة شيء معين في وقت، وشهد آخران على سرقته في غيره، فإن أمكن تعدد الواقعة بأن تبقى العين من الوقت الأول إلى الثاني حتى يمكن أن تسرق أولاً ثم تنتقل إلى مالكها ثم تسرق في الوقت الثاني حكم بكلتا البينتين وثبت الحدّ والغرم معاً، وإن لم يمكن التعدد ووقعت الشهادة على وجه يتحقق التعارض بينهما سقط الحدّ للشبهة الناشئة من اختلاف الشاهدين، و«الحدود تدرء بالشبهات»(3) ولكن لم يسقط الغرم، قال في (الجواهر): بلا خلاف، لثبوت سرقة العين باتفاق البينتين عليه.
قال في (الجواهر): وفي محكي (المبسوط): تعارضت البينتان وتساقطتا وعندنا تستعمل القرعة(4). وفي (كشف اللثام): إنه لا فائدة للقرعة هنا(5). (قال): يمكن أن يكون مبنى كلام الشيخ على وجوب كون الحكم عن واحدة منهما، لعدم صلاحيتهما بعد التعارض لأن يكونا مستند حكمه، ولا يعلم ذلك إلا بالقرعة، والفائدة حينئذ تظهر في الرجوع وغيره من الأحكام التي تلحق الشاهد، بل هو متجه إن لم يمنع وجوب اعتبار ذلك في حكم الحاكم، بل يجوز استناده إلى الجميع فيما اتفقا عليه من سرقة الثوب وإن اختلفا في وقت السرقة مثلاً. فتأمل جيداً(6).
قلت: هذا كلّه لا يخلو عن تأمل، لأن الفعل واحد وهو غير واقع إلا في أحد الموضعين أو الزمانين أو على أحد الوصفين، فإذا قالت احداهما بوقوعه في السوق والاخرى في المسجد، فقد تكاذبتا فهما متعارضتان فيتساقطان ولا يحكم بشيء، ولذا لو شهد واحد بالسرقة في المسجد وآخر في السوق والفعل واحد قالوا: لا يثبت الحدّ ويثبت الغرم بيمين المدعي مع أحد الشاهدين.، فلو كان الأثر للقدر المشترك لزم الحكم به من دون حاجة إلى اليمين، لشهادة العدلين بالقدر المشترك.
أما الرجوع إلى القرعة، ففيه: إنه لا مجال لها هنا، لأن موضوعها هو الواقع المشكل والمشتبه عندنا، وليس ما نحن فيه من هذا القبيل، فإن السرقة من المبصرات، قالت احدى البينتين: بمشاهدة وقوعها غدوة، وقالت الاخرى: بمشاهدة وقوعها عشية، ولا ريب في أنها قد وقعت في أحد الزمانين، فالبينتان متعارضتان، ومع تعارضهما تتساقطان، ولا يبقى ما يحكم به للغرم فضلاً عن الحد.
وأما تجويز استناد الحاكم إلى كلتيهما فيما اتفقتا عليه وهو سرقة الثوب وإن اختلفتا في وقته ففيه: إن المفروض وحدة العين ووحدة الفعل، وقد وقع التكاذب بين البينتين، وليس الملاك وجود أمر متفق عليه بينهما، ولذا لو شهدت احداهما بكون المسروق حماراً والاخرى بكونه فرساً، لم يحكم بسرقة الحيوان المطلق استناداً إلى كليهما لكونه أمراً متفقاً عليه بينهما، بل يتساقطان، لعدم امكان وجود الحيوان كذلك خارجاً.
فالحاصل، إنا لا نوافق لا على القرعة كما ذكر الشيخ(7)، ولا على الحكم بالقدر المشترك كما ذكر (الجواهر)(8)، بل نقول بالتعارض والتساقط وعدم الحكم بشيء.
قال المحقق: «ولو كان تعارض البينتين لا على عين واحدة، ثبت الثوبان والدرهمان»(9).
أقول: إذا تواردت البينتان لا على عين واحدة، كما لو شهدت احداهما على الثوب الأبيض والاخرى على الثوب الأسود، أو شهدت احداهما على درهم والاخرى على درهم آخر، ثبت الثوبان والدرهمان، لعدم التعارض بين البينتين، وثبت القطع أيضاً، لعدم الشبهة الدارئة.
قال في (الجواهر): بل لو فرض اتحاد العين وأمكن التعدد بسرقتها مرتين في الوقتين، كان الحكم كذلك أيضاً. بلا إشكال ولا خلاف.
قال: لكن عن القاضي: إذا شهد اثنان أنه سرق هذا الحمار غدوة يوم عيّنه، وآخران أنه سرقه عشية ذلك اليوم، تعارضتا واستعمل القرعة(10).
واعترضه بقوله: والحق أنه لا تعارض إلا أن يفرض الإتفاق على اتحاد الفعل ، وحينئذ يتجه سقوط القطع للشبهة بالاختلاف، وثبوت الغرم المتفق عليه للبينتين، وعلى كلّ حال فلا قرعة، لأنها لا تفيد شيئاً كما في كشف اللثام(11)، وفيه الكلام السابق(12).
أقول: قد عرفت أن لا قرعة لما ذكرنا، كما تقدم منا الكلام على ما ذهب إليه صاحب (الجواهر) من ثبوت الغرم بالبينتين، فإن الحق هو التساقط، كما قالوا به فيما إذا كان في كلّ طرف شاهد واحد.
(1) شرائع الإسلام 4 : 141.
(2) شرائع الإسلام 4 : 141.
(3) وسيأتي الكلام على هذا النص.
(4) المبسوط في فقه الإماميّة 8 : 241.
(5) كشف اللثام 10 : 370.
(6) جواهر الكلام 41 : 213 214.
(7) المبسوط في فقه الإماميّة 8 : 241.
(8) جواهر الكلام 41 : 214.
(9) شرائع الإسلام 4 : 141.
(10) جواهر الفقه : 232 ، المسألة 805.
(11) كشف اللثام 10 : 370.
(12) جواهر الكلام 41 : 214.