[ 2 ] ما يثبت بشاهدين
قال المحقق قدّس سرّه: «وهو ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحدود، كالسرقة وشرب الخمر والردة»(1).
أقول: هذه الثلاثة التي ذكرها المحقق موجبة للحد وهو حق الله تعالى، وإن كان في السرقة حق الآدمي أيضاً، وكذا الكلام في حقوق الله المالية، كالزكاة والخمس… فهذه كلّها تثبت بشاهدين عدلين. والدليل على ذلك: إطلاقات أدلة حجية البينة، فإنها تقتضي قبول شهادة العدلين في كلّ مورد، وإن لم يكن هناك دليل على عدم قبول شهادة غيرهما.
واستدل في (الجواهر) مع ذلك بخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبدالله عليه السلام: «إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان وشهد له ألف بالبراءة، يجيز شهادة الرجلين ويبطل شهادة الألف، لأنه دين مكتوم»(2) فإنه يدلّ على ثبوت الحدّ بشهادة العدلين في هذا المورد. لكن في دلالته على ثبوته بذلك في غيره بإلغاء الخصوصية إشكال.
واستدلّ أيضاً: بخبر عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام: «سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الساحر فقال: إذا جاء رجلان عدلان فيشهدان عليه فقد حل دمه(3)»(4). لكنه يتوقف على إلغاء الخصوصية كذلك، وهو مشكل. وفي (المسالك): «الأصل في الشهادة شهادة الرجلين»(5).
وفيه: إن كون الأصل في الشهادة شهادة الرجلين يتوقف على الاستقراء أو إلغاء الخصوصية في الخبرين.
فالأولى: الاستدلال بإطلاق أدلة البينة، كقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان»(6) فإنه مطلق، وقول الصادق عليه السلام لابنه إسماعيل: «إذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم»(7) وخبر مسعدة بن صدقة: «والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة»(8) ونحوها غيرها(9)، فإنها تدلّ على قبول شهادة العدلين في كلّ مورد، وأن الأصل ذلك إلا فيما استثني، وعلى الجملة: إنه يكفي ذلك للدلالة على قبول الشهادة العدلين وعدم قبول شهادة غيرهما، وفي كلّ مورد قبل فبدليل ، كالنصوص الدالّة على قبول شهادة النساء فيما لا سبيل للرجال إليه.
وأما الاستدلال لذلك بقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ)(10). فيتوقف على أن يكون المستفاد منها كون شهادة العدلين حكماً كليّاً طبق في ذاك المورد، وأما إذا كان حكماً خاصاً به فلا إطلاق. ولما كانت الأخبار تعين المصداق للبينة في الرجلين العدلين في موارد كثيرة، أمكن دعوى تبادر هذا المعنى من لفظ «البينة» في عرف المتشرعة.
قال المحقق قدّس سرّه: «ولا يثبت شيء من حقوق الله تعالى بشاهد وامرأتين، ولا بشاهد ويمين، ولا بشهادة النساء منفردات ولو كثرن»(11).
أقول: قد ذكرنا أن مقتضى الأدلّة قبول شهادة العدلين في كلّ مورد، وإن كلّ مورد اعتبر فيه غير ذلك فبدليل، وقد وردت نصوص في قبول شهادة النساء في موارد خاصة، وقد يقال بالنسبة إلى غير تلك الموارد بإطلاق: (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)(12) فلا يختص قيام المرأتين مقام الرجل بمورد الآية، لكن النصوص تنفي هذا الإطلاق، وتصرح بأنه حكم خاص بموردها وهو «الدين»، هذا بالإضافة إلى ما دلّ على عدم قبول شهادة النساء في الحدود، فلا دليل على قبول شهادتهن، فيبقى اعتبار «البينة». ومن تلك النصوص:
1 ـ خبر جميل بن دراج ومحمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام(13).
2 ـ خبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام(14).
3 ـ خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام(15).
(1) شرائع الإسلام 4 : 136.
(2) وسائل الشيعة 27 : 410/1 . كتاب الشهادات ، الباب 51.
(3) وسائل الشيعة 27 : 411/2 . كتاب الشهادات ، الباب 51.
(4) جواهر الكلام 41 : 151.
(5) مسالك الأفهام 14 : 249.
(6) وسائل الشيعة 27 : 232/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 2.
(7) وسائل الشيعة 19 : 82/1 . كتاب الوديعة ، الباب 6.
(8) وسائل الشيعة 17 : 89/4 . أبواب ما يكتسب به ، الباب 4.
(9) قد بحث المحقق النراقي هذا الموضوع في كتاب عوائد الأيام ص273 وذكر الأدلة عليه . فراجعه .
(10) سورة البقرة 2 : 282.
(11) شرائع الإسلام 4 : 136.
(12) سورة البقرة 2 : 282.
(13) وسائل الشيعة 27 : 350/1 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(14) وسائل الشيعة 27 : 352/7 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(15) وسائل الشيعة 27 : 354/11 . كتاب الشهادات ، الباب 24.