المسألة الثانية
(في ما لو شهدا بالوصية لزيد وشهد وارثان بالرجوع إلى عمرو)
قال المحقق قدّس سرّه: «إذا شهد شاهدان بالوصية لزيد، وشهد من ورثته عدلان أنه رجع عن ذلك وأوصى لخالد، قال الشيخ: تقبل شهادة الرجوع، لأنهما لا يجرّان نفعاً(1). وفيه إشكال، من حيث أن المال يؤخذ من يدهما، فهما غريما المدّعي»(2).
أقول: يقول المحقق قدّس سرّه: بأن المال يؤخذ من يد الورثة على كلّ حال، وإذ كانوا غرماء، فإن الغريم لا يصلح للشهادة مطلقاً، نعم، لو شهد الغارم للغريم قبل لأنه إقرار.
فالوارثان في هذه المسألة غريمان بخلاف المسألة السابقة، فقد قامت البينة فيها على أن الميت أعتق غانماً، وشهد الورثة بأنه قد أعتق سالماً، فإنه يمكن صحة كلتا الشهادتين، إذ لا مانع من عتق الميت لكلا العبدين، غير أن الحكم الشرعي لم ينفذ في الأكثر من الثلث، فإن علم السابق منهما فهو المعتق وإلا فالقرعة عند الشيخ والتنصيف على القول الآخر(3)، فلا غرم في المسألة السابقة بخلاف هذه المسألة، فإشكال (الجواهر) غير وارد.
ويمكن دفع إشكال المحقق على الشيخ: بأن اليد إن كانت مالكية، بمعنى دعوى صاحبها كون ما بيده ملكاً له، كان المدعي غارماً، وإن كانت أمانية، فإن صاحبها يعترف بعدم كون ما بيده ملكاً له… وما نحن فيه من القسم الثاني، لأن الورثة يقرّون بأن ليس لهم أكثر من الثلثين، فإن ثبت الرجوع أعطوا المال إلى الثاني وإلا فالأوّل، وحينئذ فليس شهادتهم في القضية شهادة الغريم.
وبعبارة أخرى: إن الموصى له الثاني والورثة يعترفون بالوصية للأوّل، غير أن الثاني يدّعي الرجوع فهو المدّعي والأوّل ينكره فهو المدّعى عليه، فإذا شهد الورثة للثاني وهم عدول، قبلت شهادتهم لوجود المقتضي وعدم المانع.
ولو كذّب الوارثان الشاهدين، فإن كانا عدلين وقع التعارض بين البينتين، وإن كانا فاسقين رتب الأثر على شهادة الشاهدين.
ولو قالا: لا نعلم، فقيل: بالقرعة، لكن الأقوى ترتيب الأثر على قول الشاهدين.
(1) المبسوط في فقه الإماميّة 8 : 251 ـ 252.
(2) شرائع الإسلام 4 : 145.
(3) المبسوط في فقه الإماميّة 8 : 253.