2 ـ السماع
قال المحقق قدّس سرّه: «ما يكفي فيه السماع، فالنسب والموت والملك المطلق لتعذر الوقوف عليه مشاهدة في الأغلب، ويتحقق كلّ واحد من هذه بتوالي الأخبار من جماعة لا يضمهم قيد المواعدة، أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم. وفي هذا عندي تردد»(1).
أقول: ليس الوقوف على بعض ما ذكر متعذّراً كذلك.
ثم إن قسيم المشاهدة هو السماع كما ذكر هو وغيره، والذي يكفي في هذه الامور هو التسامع المسمى بالشياع تارة وبالإستفاضة أُخرى، كما ذكره هو رحمه الله أيضاً، وهذا غير السماع، ومن هنا قال في (الجواهر): «فلا إشكال في سماجة العبارة وما شابهها» ثم قال: «وأسمجها عبارة الدروس المزبورة»(2) يعني قول الشهيد: «والضابط في تحمل الشهادة العلم بالسماع أو الرؤية أو بهما، فيكفي الإستفاضة في تسعة… والمراد بها إخبار جماعة يتاخم قولهم العلم وقيل: يحصّله، وقيل: يكفي شاهدان على اعتبار الظن»(2). وذلك لتصريحه بالإستفاضة متفرعة بالفاء على السماع.
قال في (الجواهر): «نعم، أحسنها عبارة الإرشاد حيث قال في ذكر شرائط الشاهد: العلم وهو شرط في جميع ما يشهد به، إلا النسب و(3)… فقد اكتفى في ذلك بالإستفاضة بأن يتوالي الأخبار…»(4).
حيث جعل «الإستفاضة» بالمعنى الذي ذكره مقابلاً للعلم.
وكيف كان، فقد ذكر المحقق هنا تحت عنوان «ما يكفي فيه الإستفاضة» ثلاثة أمور، وفي (النافع) أربعة، بخذف الموت وزيادة النكاح والوقف(5)، وذكر بعضهم أقل من الثلاثة حتى اقتصر بعضهم على النسب فقط، وبعضهم أكثر من ذلك، ومنهم المحقق نفسه في قضاء (الشرائع) وسنذكر عبارته قريباً، حتى ذكر في (الجواهر) قولاً بكفاية الإستفاضة في ستة وعشرين أمراً(6).
فهل المراد من القبول في هذه الامور عدم اشتراط العلم فيها، أو أنه يشترط ولكن لا يشترط استناده إلى الحس؟ الظاهر: هو الأوّل.
وقد ذكر المحقق في كتاب القضاء في الامور التي تثبت بالإستفاضة ما نصّه: «تثبت ولاية القاضي بالإستفاضة، وكذا يثبت بالإستفاضة النسب والملك المطلق والموت والنكاح والوقف والعتق»(7). فزاد فيها أموراً على ما ذكر هنا .
فأوضح صاحب (الجواهر) معنى الإستفاضة بقوله: التي تسمّى بالشياع، الذي يحصل غالباً منه سكون النفس واطمئنانها بمضمونه، خصوصاً قبل حصول مقتضى الشك، بل لعلّ ذلك هو المراد بالعلم في الشرع موضوعاً أو حكماً، وحينئذ، فلا ريب في الإكتفاء به قبل حصول مقتضى الشك، أما معه، فقد يشك فيه، لكن في غير الولايات التي جرت السيرة بالإكتفاء بها بمثل ذلك(8)، وهذا ظاهر في كون الإستفاضة بنفسها حجة وإن لم يحصل منها الإطمينان الشخصي، لأنها تفيده نوعاً، وقد فصّلنا الكلام في ذلك في كتاب القضاء، فراجع.
هذا، وما الدليل على كفاية الإستفاضة في هذه الامور؟
قال في (الجواهر): «لم نعثر في شيء من النصوص الواصلة إلينا على ما يستفاد منه حكم ذلك إلا مرسل يونس… والخبر المشتمل على قضية إسماعيل…» قال: «وقد ذكرناهما في كتاب القضاء، وذكرنا الكلام فيهما، وقد اشتمل الأوّل منهما على غير ما ذكره الأصحاب.
وكيف كان، فقد اتفق الجميع على ثبوت النسب به»(9).
قلت: وقد ذكرنا نحن هناك الإشكال في الإستدلال بالمرسلة، أمّا الصحيحة فقلنا بأنها «صريحة في اعتبار الشياع بين الناس وترتيب الأثر عليه بأن لا يأتي الإنسان بما يخالف مقتضاه».
وأما الإشكال على الصحيحة: باشتمالها على معصية إسماعيل لأبيه عليه السلام وهو بعيد جّداً، فيندفع بحمل نهي الإمام عليه السلام على الإرشاد، فدلالة الصحيحة على حجية الشياع تامة، اللهم إلا على احتمال أن يكون مراد الإمام عليه السلام هو الإحتياط من هكذا شخص، لا ترتيب الأثر على مقتضى الشياع في حقه… وهذا ما ذكرناه في كتاب القضاء… لكن ظاهر قوله عليه السلام: «إن شارب الخمر لا يزوّج…»(10) بل قوله عليه الصلاة والسلام: «ولا تأتمن شارب الخمر»(11) هو أن من شاع عنه ذلك يجوز نسبته إليه، فتدبّر .
وكيف كان، ففي قيام السيرة على الإكتفاء بالإستفاضة إلا في حال وجود منكر كما سيأتي كفاية، والصحيحة إمضاء لها…
هذا كلّه بالنسبة إلى حجية الشياع والإستفاضة.
(1) شرائع الإسلام 4 : 133.
(2) جواهر الكلام 41 : 131.
(3) الدروس الشرعية 2 : 134 .
(4) إرشاد الأذهان 2 : 160.
(5) جواهر الكلام 41 : 131 ـ 132.
(6) شرائع الإسلام 4 : 133 ، المختصر النافع : 281.
(7) جواهر الكلام 41 : 132 ، والظاهر سبعة وعشرين . لأنه بعد ما عدّ القول بكفاية العشرة قال : بل قيل بزيادة سبعة عشر إليها . فلاحظ.
(8) شرائع الإسلام 4 : 70.
(9) جواهر الكلام 40 : 55.
(10) جواهر الكلام 41 : 132 ـ 133.
(11) وسائل الشيعة 19 : 82/1 . كتاب الوديعة ، الباب 6.
(12) وسائل الشيعة 19 : 82/1 . كتاب الوديعة ، الباب 6.