[ 1 ] مالا يثبت إلا بشاهدين:
أقول: القسم الأول: ما لا يثبت إلا بشاهدين، فلا يجزي فيه النساء منضمة إلى الرجال فضلاً عن الإنفراد، ولا اليمين مع الشاهد، قال في (المسالك): مورد الشاهدين من حقوق الآدمي: كلّما ليس بمال ولا المقصود منه المال(1)، وفي (الدروس) نسبة هذا الضابط إلى الأصحاب(2)، وفي (كشف اللثام) ما يطلع عليه الرجال غالباً وما لا يكون(3)… لكن في (الجواهر): لم أقف في النصوص على ما يفيد هذا الضابط، بل فيها ما ينافيه(4).
]أما الطلاق[ فيدلّ على عدم ثبوته إلا بشاهدين ذكرين عدّة من النصوص، ومنها:
1 ـ الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: «إنه سئل عن شهادة النساء في النكاح ، فقال: تجوز إذا كان معهن رجل، وكان علي عليه السلام يقول: لا اُجيزها في الطلاق»(5).
2 ـ أبو بصير: «سألته عن شهادة النساء، فقال: تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل، ولا تجوز في الطلاق…»(6).
3 ـ محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث: «ولا تجوز شهادتهنّ في الطلاق»(7).
4 ـ محمد بن مسلم قال: «قال لا تجوز شهادة النساء في الهلال ولا في الطلاق»(8).
5 ـ زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم، ولا تجوز في الطلاق…»(9).
6 ـ أبو الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام: «قال علي عليه السلام: شهادة النساء تجوز في النكاح ولا تجوز في الطلاق…»(10).
فهذه الأخبار صريحة في عدم ثبوت الطلاق بشهادة النساء مطلقاً. وعن (الغنية) الإجماع عليه أيضاً(11). ولكن اختلف كلام الشيخ في ثبوت الطلاق بشهادتهن منضمات، فعن (الخلاف) و (النهاية): النص على المنع(12)، وعن (المبسوط) أنه قوّى القبول(13). قال في (المسالك): وإليه ذهب جماعة، وهو ضعيف(14)، وفي (الجواهر): إنه لم يجد القول به إلا ما يحكى عن أبي علي أنه قال: لا بأس بشهادتهن مع الرجال في الحدود والأنساب والطلاق(15).
نعم، في (كشف اللثام): «لكن أخبار الطلاق يحتمل شهادتهن حين الطلاق»(16).
واعترضه في (الجواهر) بقوله: «وهو مع بعده فيها ما لا يقبله، كالمروي عن العلل والعيون بأسانيده إلى محمد بن سنان… وفي خبر داود بن الحصين(17)… (قال): ومن الأخير يستفاد عدم الاجتزاء فيه أيضاً بالشاهد واليمين»(18).
قلت: قد ذكرنا أن الأصل المستفاد من أدلّة اعتبار البينة عدم القبول إلا بدليل، ومع هذا الأصل، لا حاجة إلى الدليل على عدم القبول، بل يكفي عدم الدليل على القبول(19).
]واما الخلع[ فإن كانا متوافقين على البينونة، وإنما النزاع في الحقوق المالية المترتبة عليها كأن تدّعي الزوجة كون الطلاق رجعيّاً وتطالب بالمهر، ويدّعي الزوج وقوعه خلعاً وبذل المرأة المهر فحينئذ تقبل شهادتهن في أنها بذلت المهر في مقابل الطلاق، وإن كان نزاعهما في أصل البينونة كأن تدّعي المرأة الخلع وتعترف بالبذل، فلا رجوع، والرجل يدّعي الرجوع ويدفع إليها المهر فليس المتنازع فيه حقاً ماليّاً، بل البينونة تدّعيها المرأة وينكرها الرجل، فلا تقبل شهادتهن حينئذ.
وقيل: إذا تنازعا في المال وثبت الحق بشهادة العدلين، كان اللاّزم كون الطلاق خلعاً.
وقيل: إذا ثبت الطلاق ثبت الحق المالي بالتبع.
وقيل: إن في الخلع جهتين، فتقبل في الجهة المالية ولا تقبل في غير المالية، نظير السرقة حيث يثبت الحق المالي ولا يحد.
وأُجيب بالفرق بين الأمرين، إذ السرقة تتحقق بلا شاهد، بخلاف الطلاق، فإنه لا يثبت بدونه، والطلاق يلازم الحق المالي، بخلاف السرقة، ففيها حكمان قد يثبت أحدهما ولا يثبت الآخر.
]وأما الوكالة[ فليست من الامور المالية وإن تضمنت مالاً أو انجرّت إليه فلا تثبت إلا بشاهدين بناء على الضابط المذكور، وإن كان المرجع في المقام هو مفاد الأخبار من أن الملاك القبول في كلّ ما هو «حق» لا «حكم»، قبلت شهادتهن في الوكالة إن كانت من الحقوق، ولم يرد في المنع عن القبول فيها نص خاص كما هو الظاهر.
وبناءاً على تقييد الحق بالمالي من ورود النص الخاص بقبول شهادتهن في «الدين»، فإن تعميم الحكم إلى كلّ حق مالي يتوقف على إلغاء خصوصية الدين، كما هو واضح.
]وأما الوصية[ ففيها بالخصوص نصوص، فلابدّ من النظر إلى مفادها، ولا يكفي الأخذ بالضابط في موردها.
]وأما النسب[ فهو أمر واقعي يترتب عليه آثار مالية وغيرها، وليس من الحقوق ولا الأموال، فلا يثبت إلا بشاهدين عدلين.
]وأما رؤية الهلال[ ففيها نصوص خاصة صريحة في عدم قبول شهادتهن وإن استلزمت مالاً، كحلول أجل الدين مثلاً، ومن هذه النصوص:
1 ـ خبر محمد بن مسلم، وقد تقدم.
2 ـ عبد الله بن سنان: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال…»(20).
3 ـ حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام: «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا يقبل في الهلال إلا رجلان عدلان»(21).
4 ـ العلاء عن أحدهما: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال…»(22).
نعم، عن داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال: «لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلا شهادة رجلين عدلين، ولا بأس في الصوم بشهادة النساء ولو أمرأة واحدة»(23). قال في (الوسائل): «قال الشيخ: الوجه في هذا الخبر أن يصوم الإنسان بشهادة النساء استظهاراً واحتياطاً، دون أن يكون ذلك واجباً»(24).
قلت: ولعلّ وجه هذا الحمل وعدم تخصيص تلك النصوص بهذا الخبر بأن تقبل شهادتهن في الصّوم خاصة هو إباء تلك النصوص عن التخصيص، لا سيّما وأن بعضها معلّل بضعف رؤية النساء.
(1) مسالك الأفهام 14 : 249.
(2) الدروس الشرعية 2 : 137.
(3) كشف اللثام 10 : 326.
(4) جواهر الكلام 41 : 159.
(5) وسائل الشيعة 27 : 351/2 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(6) وسائل الشيعة 27 : 351/4 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(7) وسائل الشيعة 27 : 352/7 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(8) وسائل الشيعة 27 : 353/8 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(9) وسائل الشيعة 27 : 354/11 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(10) وسائل الشيعة 27 : 357/25 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(11) غنية النزوع 2 : 438.
(12) كتاب الخلاف 6 : 252 ، المسألة 4 ، النهاية : 332.
(13) المبسوط في فقه الإمامية 8 : 172.
(14) مسالك الأفهام 14 : 251.
(15) جواهر الكلام 41 : 160.
(16) كشف اللثام 10 : 327.
(17) جواهر الكلام 41 : 160 .
(18) جواهر الكلام 41 : 161.
(19) أقول : ما ذكره السيد الاستاذ هو الأولى في الجواب ، إذ يمكن مناقشة الجواهر بأن ما لا يقبل الاحتمال المذكور ضعيف سنداً ، والتام سنداً يقبله.
(20) وسائل الشيعة 27 : 353/10 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(21) وسائل الشيعة 27 : 355/17 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(22) وسائل الشيعة 27 : 356/18 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(23) وسائل الشيعة 27 : 361/36 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(24) وسائل الشيعة : 27/361 ذيل ح36.