1 ـ لو كان ذلك في حق الآدميين
أقول: إن كان ذلك في حق الناس، ففي المسألة قولان، فقال جماعة: يحكم، وقال آخرون: لا يحكم، وللشيخ فيها قولان(1)، والمحقق قال بالعدم فيما لو طرأ فسق شاهد الأصل قبل الحكم بشهادة الفرع، محتجّاً بأن الحكم مستند إلى شهادة الأصل(2)، أما هنا فقال بالقبول وأنه يحكم بهذه الشهادة، واعترضه في (الجواهر) بعدم الفرق(3).
ولعلّ الفرق كون مورد البحث هناك فسق الأصل قبل أداء الفرع الشهادة، وهنا فسقهما بعد الأداء وقبل الحكم.
وكيف كان، فإن المعتبر في المقامين بالعدالة عند الإقامة، لإطلاق الأدلّة بل ظهور بعضها كآية النبأ وقوله عليه السلام: «لا أقبل شهادة فاسق إلا على نفسه»(4) فإن الآية ظاهرة في التلبس في حال المجيء، والخبر ظاهر في الفسق حال الشهادة، ولا أقل من أنه المتيقن.
واستدلّ للعدم في هذه المسألة بوجوه:
أحدها: كون الفسق بعد الشهادة وقبل الحكم، كما لو رجع عن الشهادة قبل الحكم.
وفيه: إنه فرق بين الفسق والرجوع، فإن الرجوع يسقط الوثوق بالخبر، وليس من سيرة العقلاء الاعتماد على شهادة من رجع عن شهادته، وليس الأمر في الفسق كذلك، فالقياس مع الفارق.
والثاني: إن طرو الفسق يضعف ظن العدالة السابقة، لبعد طرّوه دفعة واحدة.
وفيه: إنه منقوض بالجنون، على أنه لو كان كذلك لكشف عن الاستعداد للفسق، ومن الواضح أنه غير قادح.
والثالث: إن المقام كما لو كان وارثاً ومات المشهود له قبل الحكم.
والجواب: إنه لولا الإجماع على عدم القبول هناك لقلنا بالقبول، فالفارق هو الدليل.
وقد أجاب صاحب (الجواهر) عن كلّ هذه الوجوه بأنها جارية في الجنون ونحوه، مع أنه لا خلاف في قبول الشهادة السابقة عليه.
قال: نعم، لو أمكن إثبات اقتضاء الفسق بطلان الشهادة مالم يحكم بها اتجه ذلك يعني دعوى الفرق بين الفسق وبين الجنون ونحوه لا أقلّ من الشك في قبولها في الفرض، ولو من جهة انسياق غير الفرض من اطلاق الأدلّة، والأصل العدم(5).
قلت: يعني أصالة عدم الحجية، لكن هذا الأصل لا وجه له، لأنه إنما يتأتى مع عدم استصحاب القبول، وهو هنا موجود، فهو كما لو قال: صلّ خلف العادل ولا تصلّ خلف الفاسق، فصدرت صغيرة من العادل وشك في قدحها في عدالته، فإن مقتضى القاعدة استصحاب بقاء العدالة، لأن المتيقن من المعصية القادحة هو الكبيرة. وما نحن فيه كذلك، لأن المفروض عدالته حين الأداء، ثم مع عروض الفسق يشك في بقاء جواز الحكم أو وجوبه استناداً إلى تلك الشهادة الواقعة مع الشرائط، فيستصحب، ومعه لا مجال للرجوع إلى أصالة عدم الحجية.
مع أن الشك في الحجية مسبب عن الشك في اشتراط العدالة حال الحكم، والأصل عدم اشتراطها.
وأما قوله: وربما شهد لذلك استفاضة النصوص بردّ شهادة الفاسق مثلاً، بخلاف المجنون والمغمى عليه الراجعين في الحقيقة إلى كونهما كالميت الذي ليس له شهادة حال موته، فيبقى حكم شهادته الاولى على حالها، بخلاف الفاسق وغيره مما ورد في النصوص ردّ شهادته الشامل لهما بعد الإقامة قبل الحكم بها، وإلا لزم جواز الحكم بها قبل الإقامة لو فرض أنه حملها لغيره عدلاً ثم فسق ثم بعد ذلك أقامها الفرع وهو معلوم الفساد، وليس إلا لاعتبار مقارنة جامعيّة العدالة ونحوها للشهادة حال الحكم، ولا يكفي الحال السابق(6).
فيمكن أن يقال فيه: بأنه لا أثر للبحث عن اقتضاء الفسق للردّ أو مانعيّته للقبول، بل لابدّ من لحاظ دليل ردّ شهادة الفاسق، فإن كان له إطلاق ليشمل حال الحكم فهو وإلا فلا… وأما جواز الحكم بها قبل الإقامة لو فرض أنه حملها لغيره عدلاً ثم فسق ثم بعد ذلك أقامها الفرع فغير لازم، للفرق بين المقامين، إذ مع الفسق قبل الإقامة يصدق استناد الحاكم إلى شهادة الفاسق الفعلي، وهو نظير ما إذا جاء الفاسق إلى الحاكم وقال: قد تحملت الشهادة في حال العدالة وأنا الآن فاسق.
فالعمدة النظر في حدّ دلالة تلك النصوص… وما دلّ على أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يرسل من يسأل عن حال الشخص في بلده، ظاهر في الفحص عن حال الشاهدين في وقت أداء شهادتهما، لا للوقوف على بقائهما على حال العدالة لكي يكون حكمه في هذه الحال.
هذا كله في حق الآدمي المحض.
(1) كتاب الخلاف : 6/320 ، المسألة 73 ، المبسوط في فقه الإماميّة 8 : 102 و244.
(2) شرائع الإسلام 4 : 140.
(3) جواهر الكلام 41 : 218.
(4) وسائل الشيعة 27 : 373/4 . كتاب الشهادات ، الباب 30.
(5) جواهر الكلام 41 : 218.
(6) جواهر الكلام 41 : 218 ـ 219.