و هل يشترط تعدد المترجم؟
قال المحقق هنا: «يفتقر إلى مترجمين» وكذا في كتاب القضاء حيث قال «إذا افتقر الحاكم إلى مترجم لم يقبل إلا شاهدان عدلان ولا يقتنع بالواحد، عملاً بالمتفق عليه»(1).
أي: لأن الترجمة مرددة بين الشهادة والرواية، فإن كانت من الشهادة شملتها أدلّة اعتبار التعدد في الشهادة، وإن كانت من الرواية شملتها أدلّة اعتبار خبر العادل، وحيث لا دليل ولا أصل يعيّن الموضوع، لم يجز التمسك بدليل أحد الأمرين، لكونها شبهة موضوعية، إلا أنه لا يقنع الحاكم بالمترجم الواحد من جهة كون قبول ترجمة الاثنين متيقناً، أمّا لو كان واحداً ثم شك في نفوذ الحكم المستند إلى ترجمته كان الأصل عدمه.
وذكر في (الجواهر) هناك دعوى أن الأصل هو الرواية، لأن الشهادة قسم من الخبر، ولكن اعتبر الشارع في بعض أفرادها التعدّد، فما لم يثبت فيه التعدّد يبقى على عموم ما دلّ على قبول خبر العدل، لأن المخصص حجة في المتيقن وهو الشهادة، وفي المشكوك يتمسك بالعام والشبهة مفهومية.
وأجاب عنها: بأن الرواية والشهادة مفهومان متباينان في العرف الذي هو المرجع في تشخيص المفاهيم، فتارة: يراد فهم معنى اللفظ أو المراد من الإشارة فلا يحتاج إلى اثنين، وأخرى: يراد الوقوف على الواقع والحكم طبق الترجمة، اعتبر التعدد(2).
أقول: وبناءاً على أن المترجم ليس شاهداً كما سيأتي فلا يشترط التعدد.
ثم قال صاحب (الجواهر) في كتاب القضاء: وقد يقال: إنه يمكن استفادة اعتبار التعدد في كلّ ما كان له مدخلية في القضاء، ولو موضوع المدعي وتزكية الشاهد وجرحه وغير ذلك، ومنه حينئذ الترجمة لشهادة الشاهد ودعوى المدعي أو نحو ذلك، لا الترجمة من حيث كونها ترجمة وإن لم تكن في موضوع يتعلق به القضاء(3).
قلت: والإنصاف: الفرق بين ترجمة اللغات وترجمة الإشارات، ففي الاولى يكفي الواحد، لأن المترجم يشهد بما هو محسوس له، وفي الثانية قد يستند في الترجمة إلى الحدس، فإن من عرف إشارة الأخرس على أثر المعاشرة معه، يحتاج في فهم مراداته إلى إعمال حدسه ونظره، وحينئذ، لا تعم أدلّة حجية خبر العدل ترجمة إشارة الأخرس، لأنها لا تشمل الحدسيّات، فيشترط تعدد المترجم، ولا يلزم من اشتراطه توقف الأحكام وتعطيل الحقوق، لاسيما مع إمكان إحلاف الأخرس، كما في الخبر عن محمد بن مسلم قال:
«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه دين وأنكر، ولم يكن للمدعي بينة؟ فقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام أتي بأخرس فادعي عليه دين ولم يكن للمدعي بينة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للاُمة جميع ما تحتاج إليه. ثم قال: إيتوني بمصحف فأُتي به، فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السماء وأشار أنه كتاب الله عزّوجل، ثم قال: إيتوني بوليّه، فأُتي بأخ له فأقعده إلى جنبه ثم قال: يا قنبر علي بدواة وصحيفة، فأتاه بهما، ثم قال لأخي الأخرس: قل لأخيك هذا بينك وبينه، إنه علي، فتقدم إليه بذلك، ثم كتب أمير المؤمنين عليه السلام: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع المهلك المدرك الذي يعلم السر والعلانية: إن فلان ابن فلان المدعي ليس له قبل فلان ابن فلان أعني الأخرس حق ولا طلبة بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الأسباب. ثم غسله وأمر الأخرس أن يشربه، فامتنع فألزمه الدين»(4).
(1) شرائع الإسلام 4 : 76.
(2) جواهر الكلام 40 : 107.
(3) جواهر الكلام 40 : 107.
(4) وسائل الشيعة 27 : 302/1 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 33.