و هل تكون الترجمة شهادة فرع في القضية؟
قال المحقق: «لا يكون المترجمان شاهدين على شهادته»(1) بل إنها شهادة بمعنى اللفظ أو المراد من الإشارة، ومن شهد بذلك لا يشهد بتحقق أصل المطلب، وعلى هذا، فإن رأى الحاكم إشارة الأخرس وترجم عدلان عارفان بإشاراته تلك الإشارة كان للحاكم في أصل المطلب، جاعلاً الأخرس شاهداً على الأصل، دون المترجمين لإشارته، فإنهما يترجمان إشارته ولا يكونان شاهدي فرع، ولذا لا يشترط حضورهما ولا عدم حضورهما تلك الإشارة، بل يكفي الترجمة عند الحاكم، فلو كانت شهادة فرع منهما، لم تسمع الترجمة منهما مع حضور الأخرس، بناءاً على عدم سماع شهادة الفرع مع حضور شاهد الأصل.
هذا ما ذكره المحقق هنا.
وقال في (النافع) في كتاب الإقرار: ويشهد على الأخرس بالإشارة ولا يقيمها بالإقرار(2)… وعلّله في (الرياض) بقوله: لاحتمال خطائه في الفهم، فيتحقق الكذب(3).
أي: لأن الكذب يتحقق بالخبر المشكوك في صدقه، كما يتحقق بالخبر المقطوع بمخالفته للواقع.
ثم قال في (الرياض): ولعلّه مراد من علّل المنع عن الإقامة بنفس الإقرار بالكذب المطلق لا باحتماله، كالحلي وغيره(4)، وإلا فيشكل الحكم بإطلاق الكذب، فقد يعلم الشاهد بإقراره ويحصل له القطع به من إشارته، فلا يكون كذباً، فكيف يعلّل به؟ اللهم إلا أن يكون المراد أن الإقرار حقيقة في الإخبار عن الحق باللفظ الدالّ عليه، بحكم التبادر وغيره، فيكون بالإشارة مجازاً، وإرادته من الإقرار المطلق المنصرف إلى اللفظ بغير قرينة غير جائز، فإطلاقه من دونها يصيّره كذباً. وفيه نظر، فإن خرسه قرينة حال واضحة(5)على إرادته الإخبار بالإشارة من الإقرار المطلق دون الحقيقة، فلا كذب. انتهى كلام الرياض(6).
واعترضه في (الجواهر) بعد نقله بقوله: قلت: قد يقال: أولاً: إن إشارة الأخرس كاللفظ من غيره، فيكتفى بالظاهر منها، كما يكتفى بالظاهر منه في جميع المواضع، ولكن الإنصاف عدم خلو هذا عن النظر(7).
أقول: وجه النظر هو الفرق بين الكلام والإشارة، إذ ليست الإشارة كاللفظ في الظهور، فإن الإشارة يفهم المراد منها بمعونة القرائن، وهي مختلفة، فبعضها يفيد العلم وبعضها لا يفيده، بخلاف اللفظ، فإنه إن كان ظاهراً في معناه فبنفسه، وحينئذ، لا يعبأ العقلاء باحتمال إرادة المعنى المخالف للظاهر. وبعبارة اخرى: اللفظ ظاهر في معناه بالوضع، وظهور الإشارة بالقرينة، وهي قد يخطأ فيها، وقد لا تفيد العلم بالمعنى.
قال: وثانياً: لا ينبغي الإشكال في جواز الشهادة عليه بالإقرار، بمعنى الإلتزام ، مع القطع بالمراد من إشارته، بل لعلّه كذلك في غير الأخرس أيضاً، على أن المفهوم من إشارة الأخرس غالباً يستند إلى قرائن الأحوال التي لا يمكن نقلها أو يتعسر، فتكليف الشاهد بنقلها متعذر أو متعسر. وقد عرفت أن مدار الشاهد على العلم. ومما ذكرنا يظهر لك الحال في الترجمة أيضاً، فتأمل(8).
أقول: لعلّه وجهه هو أنه كما أن الجارح إن لم يصرّح بالسبب لم تقبل شهادته بالجرح، من جهة احتمال أن لا يكون السبب الذي اعتمده الشاهد جارحاً في نظر الحاكم، فكذلك إشارة الأخرس، فإنها قد يستفيد شخص منها معنى ويستفيد آخر معنى آخر، وقد تفيد الإشارة العلم بمعنى لكن يختلف الاثنان في بيانه وترجمته.
فإذن الأقوى: الشهادة بالإشارة. والله العالم.
(1) شرائع الإسلام 4 : 135.
(2) المختصر النافع : 281.
(3) رياض المسائل 15 : 388.
(4) السرائر 2 : 127 ، المهذب 2 : 560.
(5) أي : إنه إذا قال : أقرّ الأخرس . كان معناه : أشار ، لا أنه تلفظ ، لوضوح أن الأخرس لا يمكنه النطق .
(6) رياض المسائل 15 : 388.
(7) جواهر الكلام 41 : 150.
(8) جواهر الكلام 41 : 150.