هل يجوز للمرأة تضعيف المشهود به؟
ج ـ هل يجوز للمرأة الواحدة مثلاً تضعيف ما أوصى به في الشهادة حتى يثبت تمام الوصية، بأن تشهد فيما أوصى بمائة بأربعمائة أم لا يجوز؟ وجهان، فقال صاحبا (الجواهر) و (المستند) بالعدم تبعاً للمسالك(1)، وقال كاشف اللثام بالجواز(2).
واستدلّ في (المستند) بكونه كذباً، وأنه لا دليل على تجويز الكذب هنا، قال في (الجواهر): وربما يؤيّده أنه سئل الصادق في المرسل يونس «عن الرجل يكون له على الرجل حق فيجحد حقّه ويحلف أنه ليس له عليه شيء ، وليس لصاحب الحق على حقه بينة، يجوز له إحياء حقه بشهادة الزور إذا خشي ذهاب حقه؟ قال: لا يجوز ذلك لعلّة التدليس»(3).
واستدلّ كاشف اللثام للجواز قائلاً: «الأقوى الحلّ وإن حرم التزوير لكونه إغراءً بالقبيح، وفي مرسل عثمان بن عيسى: قيل للصادق عليه السلام: يكون للرجل من اخواني عندي شهادة وليس كلّها يجيزها القضاة عندنا قال: إذا علمت أنها حق فصححها بكلّ وجه حتى يصح له حقه»(4) قال: ولعلّه إشارة إلى ما ذكرنا من التورية(5).
واعترضه في (الجواهر): بأن لا دلالة على ذلك، بل أقصاه أنه كخبر داود ابن الحصين أنه سمعه يقول: «إذا اُشهدت على شهادة فأردت أن تقيمها فغيّرها كيف شئت ورتّبها وصحّحها بما استطعت حتى يصح الشيء لصاحب الحق ، بعد أن لا تكون تشهد إلا بحقّه، ولا تزيد في نفس الحق ما ليس بحق، فإنما الشاهد يبطل الحق ويحق الحق، وبالشاهد يوجب الحق وبالشاهد يعطى، وأن للشاهد في إقامة الشهادة بتصحيحها بكلّ ما يجد إليه السبيل من زيادة الألفاظ والمعاني والتفسير في الشهادة ما به يثبت الحق ويصححه، ولا يؤخذ به زيادة على الحق مثل أجر الصائم القائم المجاهد بسيفه في سبيل الله»(6)(7).
والحاصل، إن هذه الأخبار تدلّ على جواز تصحيح الشهادة بكلّ وجه صحيح شرعي عند القاضي لا سيما إذا كان من قضاة العامة حتى يجيزها ويثبت الحق لصاحبه… وفيها دلالة على جواز إثبات الحق ولو بالكذب والتزوير…
فالأقوى هو القول بعدم جواز تضعيف المرأة المشهود به، لأنه كذب، ولا دليل على كون ما نحن فيه من الموارد المستثنات من حرمة الكذب. نعم، لا بأس بدفع الباطل عنه بباطل آخر، لخبر الحكم ] أخي [ أبي عقيلة قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لي خصماً يستكثر علي شهود الزور، وقد كرهت مكافاته، مع أني لا أدري يصلح لي ذلك أم لا؟ فقال: أما بلغك عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: لا توسروا أنفسكم وأموالكم بشهادات الزور فما على امرئ من وكف في دينه ولا مأثم من ربّه أن يدفع ذلك عنه، كما أنه لو دفع شهادته عن فرج حرام أو سفك دم حرام كان ذلك خيراً له»(8).
أقول: في (الكافي) و (الوسائل) و (الوافي): «لا توسروا»(9) وفي نسخة (الجواهر): «لا توروا»(10) قال المجلسي في (مرآة العقول): «يحتمل أن يكون مشتقاً من اليسار. أي: لا تجعلوا أنفسكم موسرة… أو من الأسر على التهديد، أي: لا تشهدوا بالزور فتحبس أنفسكم وأموالكم بسببها، أو لا تجعلوا أنفسكم أسيراً للناس»(11). فرجح رحمه الله الاحتمال الثاني لكونه أنسب بالتفريع عليه بقوله: «فما على امرئ…».
ويحتمل أن يكون المراد: لا تجعلوا أنفسكم في أسر شهادة الزور التي يقيمونها، ولا تكونوا في ضيق من أجلها، بل عليكم الإقدام للدفاع عن أنفسكم وأموالكم(12).
وكيف كان، فإنه لا يجوز أخذ شيء بشهادة الزور والكذب والتزوير، وأما المدافعة عن الأموال والأنفس والحقوق فجائز بل واجب بكلّ طريق ممكن ومحلّ الكلام من الأول دون الثاني، والله العالم.
(1) جواهر الكلام 41 : 175 ، مستند الشيعة 18 : 308 ، مسالك الالفهام 14 : 260.
(2) كشف اللثام 10 : 338.
(3) وسائل الشيعة 27 : 337/1 . كتاب الشهادات ، الباب 18.
(4) وسائل الشيعة 27 : 317/3 . كتاب الشهادات ، الباب 4 . بتفاوت يسير.
(5) كشف اللثام 10 : 338.
(6) وسائل الشيعة 27 : 316/1 . كتاب الشهادات ، الباب 4.
(7) جواهر الكلام 41 : 175.
(8) وسائل الشيعة 27 : 338/2 . كتاب الشهادات ، الباب 18.
(9) الكافي 7 : 401/3 ، الوافي 16 : 1038/16640.
(10) جواهر الكلام 41 : 176.
(11) مرآة العقول 24 : 259/3.
(12) أقول : إن نسخة الجواهر هي الأصح في النظر ، و : لا توروا « بمعنى : لا تشعلوا ولا تحرقوا ، قال تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) . فالمراد : لا تفنوا.