هل يثبت العتق و القصاص و النكاح بالشاهد و المرأتين؟
قال المحقق: «وفي العتق والقصاص والنكاح تردد، أظهره ثبوته بالشاهد والمرأتين»(1).
أقول: [أما العتق] فإن كان مالاً من جهة أنه يتعلق بالعبد وهو مال مملوك فتقبل، إذ يكون الشهادة على العتق كالشهادة على تلف مال، وإن لم يكن العتق مالاً بل كان النظر إلى جهة الخروج عن الرقيّة فلا، ومن هنا تردد المحقق ثم اختار الثبوت، وفاقاً للمبسوط(2) وخلافاً للخلاف(3)، وخالفه في (المسالك)(4).
]وأما القصاص[ فقد نصّ المحقق في كتاب القصاص على عدم الثبوت(5)، ولعل نظره هنا إلى الدية وهي مال، والأخبار في بعضها: «إلا في القتل»(6) وفي آخر «إلا في القود»(7) فيحمل أحدهما على القتل الخطأي والآخر على العمدي.
]وأما النكاح[ فإنه ليس من حيث كونه مالاً، لكن جهة الدعوى تختلف، فإن كان النظر فيها إلى المهر والنفقة والإرث، فذلك مال وتقبل، وإلا فلا.
هذا بالنظر إلى الضابطة المذكورة في أول البحث. وأما الأخبار، فإنها بالنسبة إلى القصاص مختلفة، وقد اختلف بتبعها كلمات الأصحاب، وهذه نصوص بعضها:
1 ـ جميل بن دراج ومحمد بن حمران «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلنا أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده. إن علياً عليه السلام كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم»(8). وظاهره العدم في حال وجود الرجال، إذ لا يبطل دم المسلم حينئذ.
2 ـ أبو بصير: «سألته عن شهادة النساء، فقال: تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجل النظر إليه. وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل، ولا تجوز في الطلاق، ولا في الدم…»(9).
وظاهره عدم القبول لا في القصاص ولا في الدية.
3 ـ إبراهيم الحارثي: «… وتجوز شهادتهن في النكاح، ولا تجوز في الطلاق ولا في الدم…»(10).
4 ـ زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم، ولا تجوز في الطلاق ـ إلى أن قال ـ: قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: لا»(11).
5 ـ أبو الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام: «قال قال علي عليه السلام: شهادة النساء تجوز في النكاح… وقال: تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال»(12).
6 ـ ربعي عن أبي عبد الله عليه السلام: «لا تجوز شهادة النساء في القتل»(13). قال في (الوسائل): حمله الشيخ على عدم ثبوت القود، وإن ثبتت بشهادتهن الدية(14).
7 ـ غياث بن إبراهيم: «عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السلام: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القود»(15).
8 ـ موسى بن إسماعيل بن جعفر: «عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا قود»(16).
قال في (المسالك): الأخبار مختلفة، وأصحّها وأكثرها دالّ على القبول، وعليه الأكثر(17).
أقول: إن كلاًّ من أخبار الطرفين، فيها ما يمنع أو يدلّ على القبول بالإطلاق، وفيها ما يدلّ على ذلك مقيداً. والدالّ على المنع مقيداً هو الخبران الأخيران فإنه مقيد بالقود. أي: تجوز في الدية، والدالّ على الجواز مقيداً خبرا زرارة وأبي الصباح الدالاّن على القبول مقيداً بكونهن مع الرجال، ومقتضى الجمع بين المقيدين: عدم القبول في القود إلا إذا كان معهن رجل، فيكون دليل القول بثبوت غير موجب القصاص بشهادتهن مع الرجال.
وإن قلنا بالتعارض بينهما بالعموم من وجه، لأن ذاك يمنع في القود سواء مع الرجل أو لا، وهذا يجوّز إذا كان معهن رجل سواء في القود وغيره، وإذا تعارضا في مورد الإجتماع وهو القود مع وجود الرجل معهن وتساقطا، كان ثبوت القود بشهادتهن حتى مع الرجال بلا دليل، وتقبل شهادتهن مع الرجل في الدية. ويكون هذا شاهد جمع بين المانع بالإطلاق والدال على القبول بالإطلاق، فيحمل المانع على غير الدية وهو القود، والمجوز على الدية دون القود، وهذا دليل هذا القول.
وحيث لا يقبل شهادتهن في القود، فهل معنى ذلك عدم ثبوت القصاص ولا الدية، أو أنه لا يقبل في القود ويتنزل إلى الدية؟ وجهان.
وهذا البحث يجري في الشهادة على المحصنة، فإذا قيل لا تقبل في الرجم، فليس معناه ثبوت الجلد عوض الرجم.
في (الجواهر): إن شهادتهن لا تقبل في القود، لا أنها تقبل ولكن تؤخذ الدية بدلاً عن القتل.
وظاهر الجمع الذي ذكرناه تبعاً للنهاية هو القبول في الدية، نعم، كلام الشيخ مجمل، إذ لم يصرح باختياره أحد الوجهين.
وكيف كان، ففي (الجواهر): «لا بأس بقبول شهادتهن بالقتل المقتضي للدية، وإذا أمكن الجمع بين النصوص بذلك كان أولى، وإلا كان الترجيح للنصوص النافية قبول شهادتهن فيه، وأما الجمع بينها بحمل النافية على شهادتهن منفردات، والمثبتة على صورة الإنضمام مع رجل، فلا يقبله ظاهر بعضها أو أكثرها»(18).
قلت: والجمع الذي تعرض له مذكور في (المسالك)، والظاهر أنه الأولى.
قال في (المسالك): واعلم أن محلّ الإشكال شهادتهن منضمات إلى الرجال ، أما على الإنفراد، فلا تقبل شهادتهن قطعاً. وشذ قول أبي الصلاح بقبول شهادة امرأتين في نصف دية النفس والعضو والجراح، والمرأة الواحدة في الربع(19)(20).
قال في (الجواهر): وهو كذلك إذا كان المراد بالانفراد حتى عن اليمين، أما معه، فالظاهر قبول المرأتين فيما يوجب الدية كالرجل مع اليمين(21).
يعني: إنه يثبت حق الآدمي بشهادة المرأة مع الرجل أو يمين المدعي، والحق أعم من المالي وغيره إلا ما قام الدليل على المنع فيه، فتحمل فتوى أبي الصلاح على شهادتها مع يمين المدعي، لا شهادتها منفردة.
وأما في النكاح، فالأخبار تدلّ على الثبوت، كأخبار أبي بصير وأبي الصباح وزرارة وغيرها، والدالّ على المنع هو: خبر السكوني: «عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام إنه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا حدود، إلا في الديون، ومالا يستطيع الرجال النظر إليه»(22).
قال في (الوسائل): حمله الشيخ على التقية والكراهة، واستدل على كونه للتقية برواية داود بن الحصين السابقة(23).
قلت: بالإضافة إلى ما في سنده من الكلام.
لكن لا يخفى: إن الحمل على التقية ونحوه هو بعد الفراغ عن تعذر الجمع بالإطلاق والتقييد، ومن الممكن الجمع كذلك بينه وبين ما دل على الجواز، مثل خبر الحلبي: «تجوز إذا كان معهن رجل»(24) المقيد لما دل على الجواز مطلقاً، كخبر أبي بصير إن كان مطلقاً.
(1) شرائع الإسلام 4 : 136.
(2) المبسوط في فقه الإمامية 8 : 172.
(3) كتاب الخلاف 6 : 252 / المسألة 4.
(4) مسالك الأفهام 14 : 251.
(5) شرائع الإسلام 4 : 218.
(6) وسائل الشيعة 27 : 358/27 و28 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(7) وسائل الشيعة 27 : 358 و359 / 29 و30 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(8) وسائل الشيعة 27 : 350/1 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(9) وسائل الشيعة 27 : 351/4 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(10) وسائل الشيعة 27 : 352/5 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(11) وسائل الشيعة 27 : 354/11 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(12) وسائل الشيعة 27 : 357/25 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(13) وسائل الشيعة 27 : 358/27 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(14) وسائل الشيعة 27 : 358/ ذيل ح27.
(15) وسائل الشيعة 27 : 358/29 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(16) وسائل الشيعة 27 : 359/30 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(17) مسالك الأفهام 14 : 253.
(18) جواهر الكلام 41 : 163 164.
(19) الكافي في الفقه : 439.
(20) مسالك الأفهام 14 : 254 255.
(21) جواهر الكلام 41 : 165.
(22) وسائل الشيعة 27 : 362/42 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(23) وسائل الشيعة 27 : 363 ، ذيل ح42.
(24) وسائل الشيعة 27 : 351/2 . كتاب الشهادات ، الباب 24.