هل وجوب التحمل كفائي أو عيني؟
قال المحقق قدّس سرّه «والوجوب على الكفاية، ولا يتعين إلا مع عدم غيره ممن يقوم بالتحمل»(1).
أقول: قد اختلف القائلون بوجوب التحمل على قولين. فالشيخ في المبسوط والنهاية والإسكافي والمحقق والعلامة والشهيدان وغيرهم على الكفائية(2). والمفيد والحلبي والقاضي والديلمي وابن زهرة وغيرهم على العينية(3). ونسب صاحبا (الرياض) و (الجواهر) القول الأوّل إلى كافة المتأخرين.
وقد استدلّ للأوّل في (الجواهر) بالأصل، وبأولوية التحمل بالكفائية من الأداء الذي ستعرف استفاضة الإجماع على كفائيته.
لكن ظاهر الآية الكريمة والأخبار هو الثاني، كما اعترف به السيد صاحب (الرياض) الذي رجح القول الأوّل لإطباق المتأخرين عليه(4) وبهذه الأدلة ينقطع الأصل.
على أن الأصل في الأوامر الشرعية هو الإشتغال، إذ الأصل في الواجبات هو النفسية والعينية والتعيينية، اللهم إلا أن يكون العمل مما لا يقبل التكرار كدفن الميت.
وأما الأولوية، ففيها: أن الغرض من الأداء يحصل بشهادة اثنين، وأما التحمل فقد لا يحصل الغرض منه بذلك، لاحتمال النسيان والموت والغيبة وغير ذلك، ولذا وجب على كلّ من يدعى إلى الشهادة…
واستبعاد التزام الوجوب بدعوى المائة والمائتين إلى التحمل عليهم أجمع لا يقتضي القول بالكفائية، لأن المفروض وجوبه على كلّ من دعي، ومن الواضح أن الإنسان يدعو الأربعة أشخاص أو الستة مثلاً حتى إذا مات بعضهم أو نسي أو غاب، أمكن إقامة الشهادة باثنين منهم، ولا داعي إلى دعوة المأة والمأتين حتى يستبعد ذلك.
وأما التزام الندبية فراراً من الاستبعاد المزبور كما في (الجواهر)، ففيه:
إن الاستبعاد لا ينتفي بناء على الندبية، مع ما عرفت من عدم الوجه لهذا القول .
وأما تأييد القول بالاستحباب بأنه على القول بالوجوب يتجه التزامه على كلّ من دعي إليه، وإن لم يكن له أهلية التحمل لفسق مثلاً، لإطلاق الأدلّة، ولاحتمال الفائدة بتحصيل الشياع وتجدد العدالة له وغير ذلك.
فإنه يتم فيما إذا تم الإطلاق، بأن لم يكن المراد من (الشهداء) في الآية خصوص الشهداء الذين عناهم الله سبحانه في المواضع الاخرى وهم العدول… ولعلّه من هنا قال المحقق وغيره: إذا دعي من له أهلية التحمل، لأن من ليس أهلاً له لا يدعى.
هذا كلّه في التحمّل.
(1) شرائع الإسلام 4 : 138.
(2) المبسوط في فقه الإمامية 8 : 186 ، النهاية : 328 ، مختلف الشيعة 8 : 508 و511 ، عن ابن الجنيد ، المختصر النافع : 281 ، إيضاح الفوائد 4 : 441 ، الدروس 2 : 123 ، الروضة البهية 3 : 137 ، مسالك الأفهام 14 : 266.
(3) المقنعة : 828 ، الكافي في الفقه : 436 ، المهذّب 2 : 560 ، المراسم : 235 ، غنية النزوع 2 : 441 .
(4) رياض المسائل 15 : 385 ، جواهر الكلام 41 : 182.