وهل تقبل شهادة النساء منفردات في الرضاع؟
هذا… وقد اختلفوا في قبول شهادتهن في الرضاع، فمنهم من قال بالقبول ومنهم من قال بعدم القبول.
قال المحقق: «وفي قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع خلاف، أقربه الجواز»(1). أي: تبعاً للمفيد(2) وسلار(3) وابن حمزة(4) كما في (المختلف)، قال: وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد وابن أبي عقيل(5)، بل ظاهر المحكي عن ناصريات السيد الإجماع عليه(6). خلافاً لظاهر (المبسوط)(7) بل في (المسالك) أن عليه الأكثر(8)، بل صريح (الخلاف) الإجماع عليه(9)….
واستدلّ للقبول: بأن الرضاع أيضاً من الامور التي لا يطّلع عليها إلا النساء غالباً، وهو مما لا يجوز أو يعسر للرجال أو ليس من عادتهم النظر إليه، قالوا: ويؤيد ذلك إطلاق قول الباقر عليه السلام في خبر ابن أبي يعفور: «تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كن مستورات»(10).
وبالمفهوم في خبر ابن بكير عن الصادق عليه السلام: «في امرأة أرضعت غلاماً وجارية. قال: يعلم ذلك غيرها؟ قلت: لا. قال: لا تصدق إن لم يكن غيرها»(11). دلّ على أنها تصدق إن كان معها غيرها، و «غير» مطلق يعم الرجال والنساء، إن لم نقل بأنه منصرف إلى النساء خاصة… ثم إن إرساله لا يضر، لأن ابن بكير من أصحاب الإجماع.
وقال المانعون: بأن الرضاع مما يمكن اطلاع الرجال عليه، فلا يندرج تحت النصوص المزبورة، والأصل عدم القبول، بل في المبسوط عن أصحابنا أنهم رووا: «لا يقبل شهادة النساء في الرضاع»(12).
وأُجيب عن إجماع (الخلاف) بالمنع، فالمسألة مختلف فيها، بل الشيخ نفسه رجع عن القول بالمنع إلى القول بالقبول في المحكي من شهادات (المبسوط)(13) الذي هو متأخر عن كتاب الخلاف، والشهادات متأخرة في المبسوط عن الرضاع… ولعلّ معقد هذا الاجماع هي قاعدة ما يجوز للرجال النظر إليه فلا تقبل شهادة النساء فيه، فإنها قاعدة مسلّمة عند الكلّ بلا خلاف ، ثم لما جعل الرضاع مصداقاً لهذه القاعدة ادعى الإجماع على عدم القبول فيه… إلا أن الخلاف في المصداق.
وعن الأصل بانقطاعه بالنصوص.
وعن قول الشيخ: «عن أصحابنا أنهم رووا…» بأنه خبر مرسل لا وجود له في الاصول، ولا هو مقبول عند الشيخ في الموضع الذي نقله، فإنه حكاه في شهادات المبسوط الذي حكي عنه القول بالقبول فيه.
هذا، والمختار هو القبول، لأن الرضاع من الامور التي لا يطلع عليها الرجال غالباً، لا سيما مع تأييده بمفهوم المرسلة المعتبرة سنداً ودلالة… وبها ينقطع أصالة الإباحة التي ذكرها في (المسالك) دليلاً للمنع(14) ولعلّهم يريدون أصالة إباحة النكاح بين البنت والغلام حتى يثبت المحرمية بينهما بالرضاعة، ومن هنا قال مالشهيد الثاني: ولا يخفى ضعف الأصالة(15).
قال في (الجواهر): «وفي ما حضرني من نسخ الشرائع متصلاً بذلك: ويقبل شهادة امرأتين مع رجل في الديون والأموال، وشهادة امرأتين مع اليمين، ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ولو كثرن».
قال: إلا أنه لا يخفى عليك عدم مناسبته للعنوان، ولعلّه لذا لم يشرحها فيما حضرني من نسخة المسالك، لسقوط ذلك من نسخته، وعلى فرض صحتها فقد تقدم الكلام في ذلك مفصلاً(16).
(1) شرائع الإسلام 4 : 137.
(2) المقنعة : 727.
(3) المراسم : 234.
(4) الوسيلة : 222.
(5) مختلف الشيعة 8 : 473.
(6) الناصريات : 339.
(7) المبسوط في فقه الإمامية 5 : 311.
(8) مسالك الأفهام 14 : 259.
(9) كتاب الخلاف : 5/107 ، المسألة 20 ، و6/257 ، المسألة 9.
(10) وسائل الشيعة 27:398/20 . كتاب الشهادات ، الباب 41.
(11) وسائل الشيعة 20 : 401/3 . أبواب ما يحرم بالرضاع ، الباب 12.
(12) المبسوط في فقه الإمامية 8 : 172.
(13) المبسوط في فقه الإمامية 8 : 172.
(14) مسالك الأفهام 14 : 259.
(15) مسالك الأفهام 14 : 259.
(16) جواهر الكلام 41 : 173.