هل تقبل شهادة رفقة الطريق على اللّصوص؟
قال المحقق: «وكذا لو شهد بعض الرفقاء لبعض على القاطع عليهم الطريق، لتحقق التهمة»(1).
أقول: «التهمة» هنا إمّا من جهة أن هذا البعض يشهد للآخر حتى يشهد ذاك لهذا، وإمّا من جهة أنه يشهد بهذه الشهادة لكي يدفع التهمة والشبهة عن نفسه.
وقد نسب ما ذهب إليه المحقق إلى المشهور(2)، قالوا: وبذلك ينجبر ضعف خبر محمد بن الصلت الدالّ على هذا الحكم، قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رفقة كانوا في طريق، فقطع عليهم الطريق، وأخذوا اللصوص، فشهد بعضهم لبعض، قال: لا تقبل شهادتهم إلا بإقرار من اللصوص أو شهادة من غيرهم عليهم»(3).
وهذا الخبر مطلق، يعم ما إذا اخذ من الشهود شيء أولم يؤخذ، مع أنه إذا لم يؤخذ فالتهمة منتفية، وما إذا شهد البعض الآخر لمن شهد أو لا، وما إذا تعرض الشهود في شهادتهم لأخذ اللصوص شيئاً منهم أو لا، وما إذا صرح الشهود في شهادتهم بالأعيان المأخوذة من كلّ واحد من الرفقة أو كانت الشهادة مجملة.
فالخبر مطلق يعم جميع الصور، وكذا عبارة المحقق والعلاّمة(4).
لكن قيل بالقبول بالنسبة إلى الغير فقط، فيما إذا كان الشاهد مأخوذاً كذلك، وتعرض في شهادته لما أخذ منه أيضاً.
قلت: الخبر وإن احتمل كونه في قضية شخصية خارجية، لكن ترك الإمام عليه السلام الاستفصال يدلّ على العموم، وأما إن كانت قضية مفروضة، فالكلام مطلق.
وعن (الدروس): وكذا تقبل شهادة رفقاء القافلة على اللصوص إذا لم يكونوا مأخوذين. ولو أخذ الجميع فشهد بعضهم لبعض ولم يتعرضوا لذكر ما أُخذ لهم في شهادتهم، قيل: لا يقبل، والقبول قوي، وما هو إلا كشهادة بعض غرماء المديون لبعض، وكما لو شهد الاثنين بوصية مشتركة من تركة، وشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية منهما(5).
قال في (الجواهر): بل مقتضى قبوله الشهادة المبعضة القبول هنا لو تعرضوا في الشهادة الى ما أُخذ منهم، فترد حينئذ فيما يتعلق بهم، وتقبل في الآخر، ولذا حكاه عنه في (المسالك) في الفرض المزبور(6).
وعلى كلّ حال، ففيه مع أنه كالإجتهاد في مقابلة النص المعمول به إن الفرق بين المقامين واضح، ضرورة تحقق العداوة في الأوّل، بخلاف المثالين.
هذا، وينبغي أن يعلم كون الشهادة فيما ذكر من الصور خالية من الإشكال، وجامعة لشرائط القبول في حدّ نفسها بغض النظر عن الإتهام، فمثلاً: إذا لم يعين الشاهد الشيء المسروق وقلنا بعدم سماع الشهادة المجملة، كان الإجمال مانعاً من قبولها، من قبل أن يبحث عن تحقق التهمة وعدمه، وعلى هذا، فلا وجه لحمل الخبر على الصورة التي فيها مانع عن القبول في حدّ نفسها.
(1) شرائع الإسلام 4 : 129.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 12 : 391 ، جواهر الكلام 41 : 72.
(3) وسائل الشيعة 27 : 369/2 . كتاب الشهادات ، الباب 27.
(4) شرائع الإسلام 4 : 129.
(5) الدروس الشرعية 2 : 127 . وعنه جواهر الكلام 41 : 73 . بتفاوت يسير.
(6) جواهر الكلام 41 : 73 . ولم أعثر على ما حكاه عن المسالك ، بل يوجد في الدروس 2 : 128 .