هل تجوز الشهادة استناداً إلى الإستصحاب؟
قال في (الجواهر): قد يستفاد من صحيحة معاوية بن وهب وغيره جواز الشهادة بالإستصحاب(1)، وعن (التنقيح): يكفي حصول العلم بالمشهود به حين التحمل وإن جوز حصول النقيض في ما بعد في كثير من الصور، كالشاهد بدين مع تجويز ردّه، والشاهد بملك مع تجويز انتقاله، والشاهد بزوجية امرأة مع تجويز طلاقها، بل يكفيه الإستصحاب(2). وفي (الوسائل) : «باب جواز البناء في الشهادة على استصحاب بقاء الملك وعدم المشارك في الإرث»(3).
ثم ذكر ثلاثة نصوص، وهي:
1 ـ معاوية بن وهب: «قلت له: إن ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار، مات فلان وتركها ميراثاً وأنه ليس له وارث غير الذي شهدنا له. فقال: إشهد بما هو علمك، قلت: إن ابن أبي ليلي يحلّفنا الغموس، فقال: إحلف إنما هو على علمك»(4).
وهو ظاهر في جواز الاستناد إلى العلم الظاهري، وهو الاستصحاب. 2معاوية بن وهب: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون له العبد والأمة قد عرف ذلك، فيقول: أبق غلامي أو أمتي، فيكلّفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته لم يبع ولم يهب، أنشهد على هذا إذا كلّفناه؟ قال: نعم»(5).
وهو ظاهر في ذلك كسابقه.
3 ـ معاوية بن وهب: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون في داره، ثم يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها عياله، ثم يأتينا هلاكه ونحن لا ندري ما أحدث في داره ولا ندري ما أحدث له من الولد، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئاً ولا حدث له ولد، ولا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار، حتى يشهد شاهدا عدل على أن هذه الدار دار فلان ابن فلان مات وتركها ميراثاً بين فلان وفلان، أو نشهد على هذا؟ قال: نعم. قلت: الرجل يكون له العبد والأمة فيقول: أبق غلامي أو أبقت أمتي فيؤخذ بالبلد، فيكلّفه القاضي البينة أن هذا غلام فلان، لم يبعه ولم يهبه، أفنشهد على هذا إذا كلّفناه ونحن لم نعلم أنه أحدث شيئاً؟ فقال: كلّما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته، أو غاب عنك لم تشهد به»(6).
لكن الجواب عن هذه النصوص هو أن صريح الامام عليه السلام في ذيل الخبر الأخير المنع عن الشهادة استناداً إلى الإستصحاب، واحتمال الشيخ المجلسي في (مرآة العقول) أن يكون «لم تشهد» استفهاماً إنكارياً(7)، خلاف الظاهر، وبذلك تسقط الأخبار عن الاستدلال، على أنه يحتمل صدور الخبرين الأوّلين عن تقية.
قال في (الجواهر): وربما توهم من هذا ونحوه أن العلم معتبر في الشهادة حال التحمل لا حال الأداء، وقد سمعت عبارة الدروس(8).
قلت: مورد عبارة (الدروس) فرع آخر، فهناك يلزم الذكر بما كتب ويشترط في حال الأداء، وهو فيما نحن فيه متذكر حال الأداء وغير شاك في وقوع العقد مثلاً، إلا أنه يشك في بقاء تلك الزوجية وعدمه.
ثم أجاب رحمه الله بأن هذا الكلام مجمل، ضرورة أن من الواضح اعتبار الجزم والعلم في الشهادة كتاباً وسنّة، كما عرفت، بل قد عرفت تعريفها بذلك، فلا يكون الشاهد شاهداً وهو غير عالم، وحينئذ فالمراد بالشهادة بالإستصحاب إن كان بالمستصحب فهي شهادة بعلم لا بالإستصحاب، وإن أُريد بالشهادة بالإستصحاب، بمعنى الشهادة الآن بشغل ذمته وكونها زوجته وإن لم يكن عالماً بذلك بل كان مستند ذلك علمه السابق، فلا ريب في عدم صدق تعريف الشهادة عليه.
وحينئذ، فلابدّ من حمل الخبر المزبور على جواز الشهادة لحصول ضرب من العلم، أو لأن الاستصحاب كاف ولكن القضاة لا يكتفون إلا بالشهادة على الوجه المزبور، فسوغ له ذلك استنقاذاً لمال المسلم، أو على غير ذلك، كما أنه يجب إرادة ما يكون به الشاهد شاهداً من التحمل المزبور، لا أن المراد به الفرق بين الشهادة حال الأداء وحال التحمل، إذ هو واضح الفساد، لأن الشهادة حال واحد ومعنى واحد، كما هو واضح.
(1) جواهر الكلام 41 : 124.
(2) جواهر الكلام 41 : 125 ، التنقيح الرائع 4 : 310.
(3) وسائل الشيعة : 27/336 . كتاب الشهادات ، الباب 17.
(4) وسائل الشيعة 27 : 336/1 . كتاب الشهادات ، الباب 17.
(5) وسائل الشيعة 27 : 337/3 . كتاب الشهادات ، الباب 17.
(6) وسائل الشيعة 27 : 336/2 . كتاب الشهادات ، الباب 17.
(7) مرآة العقول 24 : 332/4.
(8) جواهر الكلام 41 : 125 .