مورد قبول المرأة الواحدة
قال المحقق قدّس سرّه: «وتقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع ميراث المستهل وفي ربع الوصية»(1).
أقول: سيأتي في الفرع التالي أن كلّ موضع يقبل فيه شهادة النساء منفردات عن الرجال واليمين، يعتبر كونهن أربعاً، فلو كنّ ثلاثة لم تؤثر شهادتهنّ، إلا في الوصية بالمال وميراث المستهل، فإن هذين الموردين مستثنيان بنص خاص دلّ على أنه يثبت جميع المشهود به بشهادة أربع، وثلاثة أرباعه بشهادة ثلاث، ونصفه بشهادة اثنتين، وربعه بواحدة. قال في (الجواهر): بلا خلاف أجده فيه، بل عن (الخلاف)(2) و (السرائر)(3) الإجماع عليه(4).
ويدلّ على ثبوت الربع بالواحدة: ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام: «عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل، فوضعت بعد موته غلاماً، ثم مات الغلام بعدما وقع إلى الأرض، فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل وصاح حين وقع إلى الأرض ثم مات. قال: على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام»(5).
وعلى ثبوت النصف بالاثنتين: ما رواه عبد الله بن سنان قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تجوز شهادة القابلة في المولود إذا استهل وصاح في الميراث. ويورّث الربع من الميراث بقدر شهادة امرأة واحدة. قلت: فإن كانت امرأتين؟ قال: تجوز شهادتهما في النصف من الميراث»(6).
وعلى ثبوت ثلاثة أرباع بالثلاث والكلّ بالأربع: ما رواه الصدوق قال: «وفي رواية اخرى: إن كانت امرأتين تجوز شهادتهما في نصف الميراث، وإن كنّ ثلاثة نسوة جازت شهادتهن في ثلاثة أرباع الميراث، وإن كنّ أربعاً جازت شهادتهن في الميراث كلّه»(7).
وهنا فروع:
أ ـ هل لوالدي الغلام المستهل ربع الميراث منه لو بقي وكبر ومات قبلهما، كما يثبت له ربع الميراث من أبيه إذا استهل ثم مات؟ الظاهر ـ بعد حرمة القياس والاستحسان، وبعد عدم إحاطة العقل بملاكات الأحكام الشرعيّة ـ هو الوقوف على مورد النص.
ب ـ هل كما يثبت ربع الميراث، يترتب الآثار الاخرى من النسب والمحرمية ونحوهما لو بقي وكبر؟ الظاهر العدم، والوقوف على حدّ دلالة النص، وعدم ترتيب الآثار الاخرى ولو كان بينها وبين ثبوت الإرث ملازمة، ، فيكون المورد من قبيل الأصل في عدم حجية لوازمه، بل لو كان بين الإرث والنسب ملازمة لثبت تمام الإرث لا ربعه… فالحكم تعبد محض.
ج ـ إن ما دلّ بظاهره على ثبوت جميع الميراث بشهادة الواحدة، كقوله عليه السلام في صحيحة عبد الله بن سنان: «وتجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس»(8) محمول على القبول في الجملة وهو الربع، بقرينة الأدلّة الاخرى.
د ـ هل هذا الحكم مخصوص بالقابلة؟ الذي في أغلب نصوص المسألة هو «القابلة»، ولعله من هنا خص المحقق في (النافع) الحكم بها تبعاً لبعض الأصحاب(9)، لكن يدلّ على ما ذهب إليه هنا خبر سماعة قال: «قال: القابلة تجوز شهادتها في الولد على قدر شهادة امرأة واحدة»(10)، وما في صحيحة ابن سنان المتقدمة من قوله عليه السلام: «ويورث الربع من الميراث بقدر شهادة امرأة واحدة»(11)(12).
ح ـ هل يشترط قبول شهادة المرأة الواحدة بتعذر الرجال أولا؟ مقتضى إطلاق المحقق والأكثر كما قيل هو الثاني، وعن (النهاية)(13) و (السرائر)(14)والقاضي(15) وابن حمزة(16): الأول. قال: في (المستند): لأن الشائع الغالب المتبادر في المسألة يوجب انصراف أدلتها إلى صورة التعذر(17).
قلت: وفيه تأمل، ومن هنا احتج في (الرياض) و (الجواهر) للثاني بإطلاق النص(18).
ط ـ هل يشترط في القبول اليمين؟ مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى عدم الاشتراط، وأما خبر (تحف العقول): «فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها»(19) فمرسل.
ي ـ لو انضم إلى هذه المرأة رجل واحد، ثبت الربع كذلك، ولو كان رجل وامرأتان أو رجلان، أو رجل ويمين، ثبت الإرث كلّه.
هذا كلّه بالنسبة إلى ميراث المستهل.
قال المحقق: «وفي ربع الوصية»(20).
أقول: والوصية بالمال يثبت ربعها بواحدة ونصفها باثنتين، وهكذا، وهذا الحكم أيضاً مجمع عليه كما عن (السرائر) وغيرها(21)، وتدلّ على ذلك النصوص…
وهنا أيضاً فروع:
أ ـ هل يتوقف قبول شهادتها هنا على اليمين؟ قال في (الجواهر): «مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم توقف قبول شهادتهن على اليمين، خلافاً للتذكرة فقال بتوقف شهادتهن على اليمين كما في الرجل الواحد(22). وفيه: إنه لا دليل هنا على اعتبار اليمين، بل ظاهر الأدلة خلافه، على أن اليمين مع شهادة الواحد توجب ثبوت الجميع، فلا يلزم مثله في البعض…»(23).
ب ـ في ثبوت النصف بشهادة الرجل لقيامه مقام الاثنتين أو الربع لكونه المتيقن، إذ لا يقصر الرجل عن امرأة، أو لا يثبت بشهادته شيء أصلاً، وقوفاً فيما خالف الاصل على مورده، وجوه؟ أما الأوّل، ففي (الجواهر) إنه لم نجد به قائلاً، وإن كان لا يخلو عن قوة كما اعترف به العلامة الطباطبائي في مصابيحه(24). وأما الثاني، فهو مختار العلامة في (القواعد) والشهيد الثاني في (المسالك) والسيد في (الرياض)(25). وأما الثالث، فهو مختار الفخر في (الإيضاح) وتبعه صاحبا (المستند) و (الجواهر)(26) وهو المختار، للأصل بعد حرمة القياس، ودعوى الأولوية متوقفة على تنقيح المناط القطعي.
(1) شرائع الإسلام 4 : 137.
(2) كتاب الخلاف : 6/258 ، المسألة 10.
(3) السرائر 2 : 138.
(4) جواهر الكلام 41 : 173.
(5) وسائل الشيعة 27 : 352/6 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(6) وسائل الشيعة 27 : 364/45 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(7) وسائل الشيعة 27 : 365/48 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(8) وسائل الشيعة 27 : 354/9 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(9) المختصر النافع : 280.
(10) وسائل الشيعة 27 : 357/23 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(11) وسائل الشيعة 27 : 364/45 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(12) أقول: من هذين الخبرين يستفاد أن تخصيص القابلة في غيرهما هو لدفع توهم ثبوت جميع المشهود به بشهادتها باعتبار كونها في حكم ذي اليد الذي يترتب الأثر كلّه على شهادته… فلا وجه لتأمل صاحب المستند ( مستند الشيعة 18 : 304 ) في هذا الاستدلال.
(13) النهاية : 333.
(14) السرائر 2 : 138 .
(15) المهذّب 2 : 559.
(16) الوسيلة : 222.
(17) مستند الشيعة 18 : 307.
(18) رياض المسائل 15 : 360 ، جواهر الكلام 41 : 174.
(19) تحف العقول : 480 . عنه وسائل الشيعة 27 : 365/51 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(20) شرائع الإسلام 4 : 137.
(21) السرائر 2 : 138 . الخلاف 6/258 ، المسألة 10 ، مختلف الشيعة 8 : 460.
(22) تذكرة الفقهاء 2 : 522 ، ( حجري ).
(23) جواهر الكلام 28 : 353.
(24) جواهر الكلام 41 : 174.
(25) قواعد الأحكام 3 : 500 ، مسالك الأفهام 14 : 260 ، رياض المسائل 15 : 361.
(26) إيضاح الفوائد 2 : 634 635 ، و4 : 435 ، مستند الشيعة 18 : 307 ، جواهر الكلام 41 : 174.