لو قال بعض تعمدنا وبعض أخطأنا
قال المحقق: «وإن قال بعضهم: تعمدنا. وبعض: أخطأنا، فعلى المقرّ بالعمد القصاص وعلى المقرّ بالخطأ نصيبه من الدية، ولولي الدم قتل المقرّين بالعمد أجمع، وردّ الفاضل عن دية صاحبه، وله قتل البعض ويردّ الباقون قدر جنايتهم»(1).
أقول: قال في (الجواهر): كلّ ذلك لا خلاف فيه، بل لعلّ الإجماع بقسميه عليه. واستدلّ له بأمور:
الأول: قاعدة قوة السبب على المباشرة.
وهذه قاعدة مسلمة(2) عند العرف، فإنهم يرون الشاهد هو السبب في إحقاق الحق أو إضاعته، والحاكم والمباشر للأمر على أثر حكمه معذوران عندهم.
وتؤيد هذه القاعدة النصوص الواردة في موارد مختلفة.
الثاني: عمومات القصاص كقوله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ)(3) بناءاً على أن يكون له إطلاق.
الثالث: ما ورد في كتاب القصاص من حكم المشتركين في القتل عمداً وخطأ.
الرابع: نصوص المقام(4)، ومنها:
1 ـ ابن محبوب عن بعض اصحابه: «عن أبي عبد الله عليه السلام في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل. قال: إن قال الراجع الرابع أوهمت ضرب الحد وأغرم الدية، وإن قال: تعمدت قتل»(5).
وقد اشتمل هذا الخبر على وجوب الحدّ والدية في حال الخطأ، وكأن الحدّ للقذف، والدية للقتل عن خطأ، وهذا مما لم يفت به. أما في حال العمد، فقد حكم فيه بالقتل من دون تعرض للحدّ. واشتمال الخبر على ما ذكرنا يوجب سقوط تلك الفقرة منه إن لم يوجب سقوطه كلّه.
2 ـ محمد بن قيس: «عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق، فقطع يده، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا السارق وليس الذي قطعت يده إنما شبهنا ذلك بهذا. فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية، ولم يجز شهادتهما على الآخر»(6).
ومعنى: «غرمهما نصف الدية» أنه غرم كلّ واحد منهما نصف دية الأصابع التي قطعها بشادتهما.
3 ـ السكوني «عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام: في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعت يده، ثم رجع أحدهما فقال: شبّه علينا، غرما دية اليد من أموالهما خاصة. وقال في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها وهم ينظرون فرجم، ثم رجع واحد منهم. قال: يغرم ربع الدية إذا قال: شبه علي. وإذا رجع اثنان وقالا: شبّه علينا غرما نصف الدية، وإن رجعوا كلهم وقالوا: شبّه علينا غرموا الدية. فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعاً»(7).
4 ـ إبراهيم بن نعيم: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته. قال: فقال: يقتل الرابع الراجعويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية»(8).
دلّ على أن من أقر بالعمد يقتل، ويبقى البحث في دلالته على وجوب ديته على الثلاثة الباقين، لاعلى ولي المقتول، وقد قال المجلسي: رحمه الله ظاهر الأصحاب والأخبار أن المؤدي للدية هو ولي الدم….
وسيأتي تمام الكلام على هذا الخبر حيث يتعرض المحقق لفتوى الشيخ في النهاية.
هذا وفي (المسالك) هنا ما نصه: «وكذا لو شهدوا بالردّة فقتل، أو على المحصن فرجم، أو على غير المحصن فجلد ومات منه، لكنه هنا يلزمهم الدية، لأنه عمد شبيه الخطأ، لقصدهم إلى الفعل المؤدّي إلى القتل»(9).
وتوضيحه: أن الشهود إذا شهدوا على غير المحصن فجلد ومات من الجلد، فإنهم قد شهدوا بما يوجب الضرب، والضرب لا يؤدّي إلى الموت غالباً، فيكون حالهم حال المباشر الذي باشر الضرب بما لا ينتهي إلى الموت عادة فاتفق موت المضروب، فالحكم هو الدية، لأنه قد صدر الفعل عن عمد ولم يقصد القتل، فهو شبيه عمد.
(1) شرائع الإسلام 4 : 143.
(2) هذا إشارة إلى جواب مناقشة جامع المدارك في كبرى هذه القاعدة 6 : 159.
(3) سورة الإسراء 17 : 33.
(4) جواهر الكلام 41 : 225.
(5) وسائل الشيعة 27 : 328/1 . كتاب الشهادات ، الباب 12 .
(6) وسائل الشيعة 27 : 332/1 . كتاب الشهادات ، الباب 14.
(7) وسائل الشيعة 27 : 332/2 . كتاب الشهادات ، الباب 14.
(8) وسائل الشيعة 27 : 329/2 . كتاب الشهادات ، الباب 12.
(9) مسالك الأفهام 14 : 300.