كلّ موضع يقبل فيه شهادة النساء يعتبر كونهن أربعاً
قال المحقق قدّس سرّه: «وكلّ موضع تقبل فيه شهادة النساء لا يثبت بأقل من أربع»(1).
أقول: قد نسب هذا الحكم في (الرياض) إلى الأشهر بل عامّة من تأخر(2)، بل في (كشف اللثام) و (الجواهر) نسبته إلى المشهور(3)… واستدلّ له بوجوه منها:
الأوّل: ما عهد من عادة الشرع في باب الشهادات بل في (الجواهر) دعوى القطع به من الكتاب والسنة من اعتبار المرأتين بالرجل(4)، فيثبت ما لا يطلع عليه الرجال بما يساوي الرجلين.
الثاني: الأصل الدالّ على عدم جواز قبول شهادتهن مطلقاً، خرج الأربع في محلّ البحث اتفاقاً فتوى ونصاً كما في (الرياض)(5)، لأن موردهما النساء بصيغة الجمع غير الصادق حقيقة إلا على ما زاد على اثنين، وكلّ من قال بلزومه عيّن الأربع.
الثالث: ما دلّ على قبول شهادة القابلة في الولد على قدر شهادة امرأة واحدة … فإنها تدلّ على أن الشهادة المعتبرة تامة هي شهادة الأربع نسوة.
وعن ابن الجنيد: كلّ أمر لا يحضره الرجال ولا يطّلعون عليه، فشهادة النساء فيه جائزة، كالعذرة والإستهلال والحيض، ولا يقضى به بالحق إلا بأربع منهن، فإن شهد بعضهن فبحساب ذلك(6).
وعن المفيد: تقبل شهادة امرأتين مسلمتين مستورتين فيما لا يراه الرجال… وإذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة، قبلت شهادتها فيه(7). وتبعه سلار في قبول المرأة الواحدة في الامور الباطنة(8). وعن متاجر (التحرير): لو اشترى جارية على أنها بكر فقال المشتري: إنها ثيب، أمر النساء بالنظر إليها، ويقبل قول امرأة ثقة في ذلك(9).
قال العلامة في (المختلف): احتج المفيد بما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام «قال: تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس»(10)، وعنه أيضاً:
عن الصادق عليه السلام «عن شهادة القابلة في الولادة. قال: تجوز شهادة الواحدة»(11) وعن أبي بصير عن الباقر عليه السلام: «تجوز شهادة امرأتين في الاستهلال»(12).
قال: والجواب: القول بالموجب، فإنا نقبل شهادة الواحدة في ذلك، لكن لا يثبت جميع الحق بل الربع(13).
وأجاب في (الرياض) عن الاستدلال بالصحيحتين بأربعة وجوه(14).
وأما قول ابن الجنيد، ففي (الرياض) وكذا في (المستند) إن مستنده غير واضح عدا القياس بالاستهلال والوصية، وبطلانه واضح(15).
وفي (الجواهر) عن السيد في (الناصرية): يجيز أصحابنا أن تقبل في الرضاع شهادة المرأة الواحدة تنزيهاً للنكاح عن الشبهة واحتياطاً فيه (قال): واحتج على ذلك بالإجماع والحديث النبوي: «دعها، كيف وقد شهدت بالرضاع»(16).
أقول: إن هذا يتوقف على تنقيح المناط القطعي، بأن يستفاد حكم قبول شهادة الواحدة في الرضاع من أخبار قبول القابلة في الإستهلال، باعتبار أن ملاك قبول الثانية هو كونها ذات يد بالنسبة إلى المولود، فكذا المرضعة بالنسبة إلى الرضيع، لكن في كلام السيد إنه احتياط، وهو كذلك، فإن أصالة الإحتياط محكمة في الفروج في الشبهة الحكمية والموضوعية، لكن عمومات حلية النكاح إلا من المحارم يقيناً قاطع لهذا الأصل. فإن كان الرجوع إليها هنا من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، رجعنا إلى استصحاب عدم تحقق الرضاع الموجب للحرمة.
وأما الإجماع الذي ادّعاه، فالظاهر أن معقده الإحتياط أو الأخذ بالملك المذكور، وإلا فلا ريب في وجود الخلاف في المسألة.
وأما الحديث النبوي فغير معتبر سنداً.
قال في (الجواهر): وعن أبي الصلاح: ويحكم بشهادتهما منفردتين فيما لا يعاينه الرجال من أحوالهن(17). (قال): ويلزمه الحكم بهما في الرضاع أيضاً لدخوله فيه، نعم، ظاهره عدم الاكتفاء بالواحدة. وربما يشهد له ظاهر قوله عليه السلام: «لا تصدق إن لم يكن معها غيرها»(18) في مرسل ابن بكير المتقدم. لكن قد عرفت قصور ذلك ونحوه عن مقاومة ما سمعته من الأدلّة، فلابدّ من تنزيل ذلك ونحوه عليها أو على ما لا ينافيها(19). والله العالم.
(1) شرائع الإسلام 4 : 137.
(2) رياض المسائل 15 : 354.
(3) كشف اللثام 10 : 336 ، جواهر الكلام 41 : 176.
(4) جواهر الكلام 41 : 176 177.
(5) رياض المسائل 15 : 354.
(6) عنه مختلف الشيعة 8 : 455 456.
(7) المقنعة : 727 ، وعنه الدروس 2 : 139 ، مسالك الأفهام 14 : 261 ، جواهر الكلام 41 : 177.
(8) المراسم : 234.
(9) تحرير الأحكام 2 : 377 . وعنه كشف اللثام 10 : 336.
(10) وسائل الشيعة 27 : 353/10 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(11) وسائل الشيعة 27 : 351/2 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(12) وسائل الشيعة 27 : 362/41 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(13) مختلف الشيعة 8 : 475 476.
(14) رياض المسائل 15 : 355 356.
(15) رياض المسائل 15 : 356 ، مستند الشيعة 18 : 302.
(16) جواهر الكلام 41 : 177 178 ، مسائل الناصريات : 340 ، وفيه : دعها كيف وقد شهدت السوداء وفي الجواهر 29 : 347 ، كما في الناصريات.
(17) الكافي في الفقه : 439.
(18) وسائل الشيعة 20 : 401/3 . أبواب ما يحرم بالرضاع ، الباب 12.
(19) جواهر الكلام 41 : 178.