2 ـ شهادة الرجل و الامرأتين
والثاني أن يشهد رجل وامرأتان، واستدلّ لثبوته بذلك من الكتاب بقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)(1) إلا أن في الاستدلال بها هنا تأملاً، من جهة أن ظاهرها قبول هذه الشهادة في حال عدم الرجلين، لأنه قال: «فإن لم يكونا…». ويدلّ على ذلك: بعض الأخبار، كخبر داود بن الحصين الآتي نصه الوارد في تفسير الآية، لكن ظاهر عبارات الأصحاب كالمحقق عدم تعليق قبولها على عدم الرجلين.
ثم إن مورد هذه الآية هو خصوص «الدين»، ويدل على ذلك أيضاً خبر داود بن الحصين الوارد في تفسيرها. ومن هنا، لم يذكر بعض الأصحاب إلا «الدين» كما سيأتي.
واستدلّ من السنّة بنصوص:
1 ـ الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: «قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال: نعم»(2). دلّ على قبول شهادة المرأتين مع الرجل، لكنه في الدين خاصة(3).
2 ـ داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: «وكان أمير المؤمنين عليه السلام يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين. قلت: فأنى ذكر الله تعالى قوله: (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)(4)؟ فقال: ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان ورجل واحد ويمين المدعي إذا لم يكن امرأتان. قضى بذلك رسول الله وأمير المؤمنين بعده عندكم»(5). دل على ثبوت الحق بشهادتهما مع الرجل، لكن إذا كان ديناً، وإذا لم يكن رجلان…
4 ـ يونس عمن رواه قال: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه، بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان…»(6). والحقوق عام يشمل الحقوق المالية كلّها أيضاً، فلا اختصاص بالدين. لكنه مرسل، مع أنه ظاهر في توقف القبول على عدم الرجلين.
وهل تقبل شهادة المرأتين مع الرجل في كلّ ما كان مالاً أو المقصود منه المال أو في خصوص الدين؟
قد عرفت ما في الاستدلال بالأخبار الثلاثة الأخيرة،… أما الآية والخبران الآخران، فتدلّ على القبول في الدين فحسب… ولهذا لم يذكر الشيخ في (النهاية) ـ التي هي متون الأخبار ـ إلا الدين(7).
وقد أجاب في (الجواهر): بأن ما في ذيل الآية الكريمة من الإشهاد على البيع وهو قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ)(8) ظاهر في إرادة الإشهاد السابق، الذي كان منه الرجل والمرأتان متمماً بعدم القول بالفصل(9).
قلت: إن ظاهر الآية كاف للاستدلال، ولا حاجة إلى تتميمه بعدم القول بالفصل، إذ من البعيد جدّاً أن يراد بالشهادة في ذيل الآية غير الشهادة المذكورة في صدرها، إذ لو أراد غيرها لذكر… ولعلّه يريد عدم القول بالفصل بين الدين والبيع، أو بين البيع وسائر عقود المعاوضات. لكن هذا يتوقف على تحقق عدم الفصل، وحينئذ، فإن الآية صدراً وذيلاً تدل على عدم انحصار قبول الرجل والمرأتين بالدين… فلا مناص بعد ذلك من حمل «الدين» في الخبرين على أن المقصود منه المال، وهو المحكي عن (المختلف)(10) بالنسبة إلى عبارة (النهاية)(11).
ونوقش في الاستدلال للقبول بخبر الصيرفي: «كتبت إلى الكاظم عليه السلام في رجل مات وله اُم ولد، وقد جعل لها سيدها شيئاً في حياته ثم مات ، فكتب: لها ما آتاها سيدها في حياته معروف لها ذلك، تقبل على ذلك شهادة الرجل والمرأة والخدم غير المتهمين»(12) بأنه وارد في الوصية، وظاهر في إرادة ثبوتها، بشهادة جنس الرجل وجنس الامرأة، لأنها وصية(13).
وعن (الخلاف) وموضع من (المبسوط) منع قبول امرأتين ورجل في الوديعة(14)، وحمله العلامة على ما قيل على دعوى الودعي لا المالك(15).
أقول: هذا النزاع صغروي، فكأن الشيخ لا يوافق على كون النزاع في الوديعة نزاعاً في مال، لا سيما غير المشروط فيها الضمان. فأجاب في (الجواهر): بأن الودعي ينفي عنه الضمان وهو مال(16).
(1) سورة البقرة 2 : 282.
(2) وسائل الشيعة 27 : 351/2 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(3) فهو يدلّ على الجهة الثانية، لكن ظاهره عدم التوقف على عدم الرجلين كما عليه عبارات الأصحاب، لكن يؤيد ظاهر الآية مرسلة يونس: « استخراج الحقوق بأربعة وجوه… » 27/271. وعن تفسير الإمام العسكري عليه السلام 27/272 بتفسير الآية: « عدلت امرأتان في الشهادة برجل واحد، فإذا كان رجلان أو رجل وامرأتان أقاموا الشهادة قضى بشهادتهم ».
(4) سورة البقرة 2 : 282.
(5) وسائل الشيعة 27 : 360/35 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(6) وسائل الشيعة 27 : 271/2 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 15.
(7) النهاية في مجرّد الفتوى : 333.
(8) سورة البقرة 2 : 282.
(9) جواهر الكلام 41 : 166.
(10) مختلف الشيعة 8 : 523 ، وعنه كشف اللثام 10 : 331 ، جواهر الكلام 41 : 167.
(11) قال في المستند: المراد من الدين هو المال المتعلق بالذمة لغة وعرفاً بأي سبب كان، وهو الدين بالمعنى العام الشامل للدين بالمعنى الأخص الذي هو القرض، وعلى هذا فيشمل الدّين: القرض والنسيئة والسلف وثمن المبيع والضمان وغرامة التالف ودية الجنايات، وغير ذلك مما يتعلق فيه المال بالذمة ويكون هو المقصود بالدعوى . وقد ألحقوا بالدين جميع الدعاوى المالية أو ما يكون المقصود منه المال، ولأجله حكموا بالقبول في دعوى: الرهن والإجارة والقراض والشفعة والمزارعة والمساقاة والهبة والإبراء… ولا أرى لذلك الإلحاق دليلاً… وقد أشار إلى ذلك المحقق الأردبيلي ( مستند الشيعة 18 : 297 298 ).
(12) وسائل الشيعة 27 : 364/47 . كتاب الشهادات ، الباب 24.
(13) أقول: ذكر السيد الاستاذ أن الخبر ظاهر في الهبة لا الوصية، وأنه إذا كان ظاهراً في الجنس فهو مجمل، والأخبار الاخرى مبينة له..
(14) كتاب الخلاف : 6/252 ، المسألة 4 ، المبسوط في فقه الإمامية 7 : 248.
(15) جواهر الكلام 41 : 166 ، مختلف الشيعة 8 : 476.
(16) جواهر الكلام 41 : 167.