حكم هجاء المؤمن
الثاني: هجاء المؤمن حرام، فمن فعل فسق وردّت شهادته، ويدلّ على حرمته الأدلّة الأربعة، لأنه إيذاء، وظلم، وهتك، وهمز، ولمز، وكلّ ذلك حرام، بل كبيرة موبقة… ومن ذلك يظهر أنه لا دليل على حرمة «الهجاء» بعنوانه من الكتاب والسنّة، بل يحرم من جهة انطباق أحد هذه العناوين عليه ، نعم، الدليل القائم على حرمته بالخصوص هو الإجماع بقسميه كما في (الجواهر)(1).
فهجاء المؤمن، وهو ذمّه وذكر عيوب له شعراً سواء كان فيه أو لا، وسواء كان في حضوره أو لا، حرام. وبما ذكرنا يظهر الفرق بينه وبين الكذب والغيبة والتشبيب.
ويحرم هجاء المومن سواء كان عادلاً أو فاسقاً بل متجاهراً بالفسق وإن جازت غيبته بذلك، وأما الخبر «محصّوا ذنوبكم بذكر الفاسقين»(2) فالمراد به الخارجون عن الإيمان، قال في (المسالك): «اللهم إلا أن يدخل هجاء الفاسق في مراتب النهي عن المنكر بحيث يتوقف ردعه عليه، فيمكن جوازه حينئذ إن فرض»(3).
واحترز بالمؤمن عن المخالف، فإنه يجوز هجوه، لعدم احترامه، وكذا يجوز هجاء الفاسق المبدع لئلاّ يؤخذ ببدعه، لكن بشرط الاقتصار على ذكر المعائب الموجودة فيه.
وقد ألحق صاحب (الجواهر) المخالفين بالمشركين في الحكم المذكور، فقال ما ملخصه بلفظه: أما المشركون، فلا إشكال كما لا خلاف في جواز هجوهم وسبّهم ولعنهم وشتمهم مالم يكن قذفاً مع عدم شرائطه أو فحشاً… فالظاهر إلحاق المخالفين بالمشركين في ذلك، لاتّحاد الكفر الإسلامي والإيماني فيه، بل لعلّ هجاءهم على رؤس الأشهاد من أفضل عبادة العباد مالم تمنع التقية، وأولى من ذلك غيبتهم التي جرت سيرة الشيعة عليها في جميع الأعصار والأمصار، علمائهم وعوامّهم، حتى ملأوا القراطيس منها، بل هي عندهم من أفضل الطاعات وأكمل القربات، فلا غرابة في دعوى تحصيل الإجماع كما عن بعضهم، بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات فضلاً عن القطعيات… كما لا يخفى على الخبير الماهر الواقف على ما تظافرت به النصوص بل تواترت من لعنهم وسبّهم وشتمهم وكفرهم، وأنهم مجوس هذه الاُمة، وأشر من النصارى، وأنجس من الكلاب(4)…
(1) جواهر الكلام 41 : 49.
(2) مفتاح الكرامة 12 : 211 . ولم اعثر عليه في المصادر الروائيّة.
(3) مسالك الأفهام 3 : 127.
(4) جواهر الكلام 22 : 61 62 . وقوله : إنهم مجوس … الخ تقدم.