2 ـ حكم اللعب بالحمام
وأما حكم اللعب بالحمام وتطييره، فقال المحقق رحمه الله: «وإن اتخذها للفرجة والتطيير فهو مكروه».
أقول: أما الجواز فهو المشهور، وفي (الجواهر) عن ظاهر المبسوط: الإجماع عليه، وهو مقتضى الأصل(1)، ويدل عليه أخبار:
1 ـ العلاء بن سيابة: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة من يلعب بالحمام، فقال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق»(2).
2 ـ العلاء بن سيابة: «سمعته يقول: لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام، ولا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه، فإن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أجرى الخيل وسابق، وكان يقول: إن الملائكة تحضر الرهان في الخف والحافر والريش، وما سوى ذلك قمار حرام»(3).
3 ـ العلاء بن سيابة: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة من يلعب بالحمام. قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق، قلت: فإن من قبلنا يقولون قال عمر: هو شيطان، فقال: سبحان الله، أما علمت أن رسول الله قال: إن الملائكة لتنفر عند ]عن [ الرهان وتلعن صاحبه، ما خلا الحافر والخف والريش والنصل فإنها تحضره الملائكة، وقد سابق رسول الله صلّى الله عليه وآله اُسامة بن زيد وأجرى الخيل»(4).
بل يدل على جواز اللعب والفرجة بها ما دلّ على استحباب إكرامها وتزويجها ونحو ذلك، لعدم انفكاك هذه الامور عن الفرجة بها عادة.
وقال ابن إدريس في (السرائر): «ويقبل شهادة المتخذ للحمام غير اللاعب بها والمسابق والمراهن عليها، إذا لم يعرف منه فسق، وقول شيخنا في نهايته: وتقبل شهادة من يلعب بالحمام(5)، غير واضح، لأنه سماه لاعباً، واللعب بجميع الأشياء قبيح، فقد صار فاسقاً بلعبه، فكيف تقبل شهادته؟، وإنما أورد لفظ الحديث إيراداً لا اعتقاداً، وإن كان المقصود باللعب ما ذكرناه، وهو اتخاذها للانس وحمل الكتب دون اللعب»(6).
وفي قوله: «واللعب بجميع الأشياء قبيح، فقد صار فاسقاً بلعبه».
منع واضح، إذ ليس كلّ لعب بحرام، فمن ذلك ما يحسّنه العقل، ويعمله العقلاء، لما فيه من المنافع والآثار، بل يمكن دعوى قيام السيرة على مثل ذلك حتى زمن المعصوم، كما في الخبر المروي في (الأمالي) من مصارعة الحسنين بحضرة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقوله للحسن عليه السلام : إصرع الحسين، وقد كان جبرئيل يقول للحسين: يا حسين إصرع الحسن(7).
والمحرم من اللهو ما يحرك الشهوات ويعد من الملذات النفسانية، وليس فيه شيء من الأغراض العقلائية.
نعم، لا كلام في حرمة اللهو واللعب والفرجة بالحمام، إذا أدى ذلك إلى ترك واجب، أو ارتكاب محرم، أو اقترن بشيء من المحرمات. كما لا كلام في منافاة ذلك للمروة في حق بعض الناس.
وبالجملة، ليس كلّ لعب بحرام، وما دل على حرمته عموماً أو إطلاقاً، منصرف عن مثل ما ذكرناه ألبتة.
وأما الكراهة، فإن تطيير الحمام والفرجة بها وإن لم يكن معصية يمنع من الإشتغال بالأعمال المفيدة، وصرف العمر فيما ينبغي أن يصرف فيه.
ومن هنا يظهر أنه ليس المراد من هذه الكراهة، الكراهة الإصطلاحية في عرف المتشرعة.
(1) جواهر الكلام 41 : 55.
(2) وسائل الشيعة 27 : 412/1 . كتاب الشهادات ، الباب 54.
(3) وسائل الشيعة 27 : 413/2 . كتاب الشهادات ، الباب 54.
(4) وسائل الشيعة 27 : 413/3 . كتاب الشهادات ، الباب 54.
(5) النهاية : 327.
(6) السرائر 2 : 124.
(7) الأمالي للصدوق : 530 ، ذيل ح717 . عنه البحار 43 : 266/25 .