حكم التشبيب
الثالث: التشبيب بالمرأة كما في (المكاسب) عن (جامع المقاصد): ذكر محاسنها وإظهار شدّة حبّها بالشعر(1).
وقد نقل الشيخ الحكم بالحرمة عن المبسوط(2) وجماعة كالفاضلين(3)والشهيدين(4) والمحقق الثاني(5)، بل في (الجواهر): بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه(6).
والبحث الآن في جهتين:
أما الاولى، ففي موضوع الحكم، وقد قيّد المحقق قدّس سرّه بالامرأة المعروفة غير المحللة. وفي (المكاسب): المرأة المعروفة المؤمنة المحترمة.
وأما الثانية، ففي دليل الحكم المذكور:
قال الشيخ: واستدلّ عليه بلزوم تفضيحها، وهتك حرمتها، وإيذائها، وإغراء الفساق بها، وإدخال النقص عليها وعلى أهلها، ولذا لا ترضى النفوس الأبية ذوات الغيرة والحمية أن يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم وأخواتهم، بل البعيدات من قراباتهم.
ثم أشكل على هذا الإستدلال بقوله: والإنصاف أن هذه الوجوه لا تنهض لإثبات التحريم، مع كونه أخص من المدّعى، إذ قد لا يتحقق شيء من المذكورات في التشبيب، بل وأعمّ منه من وجه، فإن التشبيب بالزوجة قد يوجب أكثر المذكورات(7).
أقول: إنه لا دليل على حرمة التشبيب بعنوانه، فينبغي الاقتصار على المورد الذي يتحقق فيه شيء من العناوين المذكورة، والمتيقن من ذلك هو الشعر المتضمّن لمحاسن المرأة الأجنبية ونشره أو إنشاده للغير، وهذا هو المتعارف بين أراذل الناس وأفواه السفلة.
وحينئذ، فلو فعل ذلك بالنسبة إلى غلام حرم كذلك، وعليه فالتقييد بالمرأة لاوجه له…
وكذا يحرم لو كان بالنسبة إلى حليلته، ولكن التقييد بغير المحللة لا حاجة إليه، لأن أحداً من ذوي الغيرة لا يتشبب عادةً بزوجته وحليلته عند غيره، بل قد لا يكتب الشعر في ورقة مخافة أن تقع بيد الغير…
وعلى هذا، فلو أنشأ شعراً تضمن تشبيباً بامرأة معروفة غير محللة، لكنه أخفاه عن غيره، بل محاه أو مزّق الورقة المكتوب عليها، لم ينطبق شيء من الوجوه المذكورة، ولابدّ من دليل خاص يدلّ على حرمته.
اللهم إلا أن يدّعى انطباق عناوين «اللهو» و«الباطل» و«الفحشاء» و«عدم العفاف» ونحو ذلك مما ذكره الشيخ للاستدلال على الحكم، بعد الإشكال في الاستدلال بما ذكروه.
لكن الإنصاف أن هذه الوجوه أيضاً لا تنهض لإثبات التحريم، لما ذكرناه.
فظهر أنه إن أذاع الشعر ونشره ثبتت الحرمة، سواء كان بامرأة أجنبية أو حليلة ، أو بغلام، لانطباق الوجوه التي ذكرها القوم، وإلا فلا حرمة، لا من جهة تلك الوجوه، ولا من جهة ما ذكره الشيخ.
اللهم إلا صدق عنوان «اللهو» و«الباطل» ونحوهما، بناء على شمولها لذلك.
لكن فيه: إنه إن تم ذلك لزم الحكم بحرمة نظم الشعر في وصف شجرة مثلاً، لأنه «عبث» و«لغو»، وهو في غاية البعد.
ومن هنا يقال بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد، بل مطلق من يراد تزويجها، لعدم جريان أكثر ما ذكر فيها، إن لم يطلع غيره على الشعر، بل لا يكون هذا عادة، فيجوز له التشبيب بها كما يجوز له النظر إليها.
وأما التقييد بالمعروفة، فلأنّ التشبيب بالمرأة المبهمة بأن يتخيّل امرأة ويتشبب بها، مباح عند الكل، كما في (المكاسب)(8).
وأما التقييد بالمؤمنة، فقد نقله الشيخ عن العلامة في (القواعد) و (التذكرة) وعن غيره، لعدم احترام غير المؤمنة(9).
(1) كتاب المكاسب 1 : 64 . جامع المقاصد 4 : 28 . بتفاوت يسير.
(2) المبسوط في فقه الإمامية 8 : 228.
(3) شرائع الإسلام 4 : 128 ، تحرير الأحكام 2 : 260 ، تذكرة الفقهاء 12 : 144 ، إيضاح الفوائد 1 : 405 .
(4) الدروس الشرعية : 3/163 ، مسالك الأفهام 14 : 182.
(5) جامع المقاصد 4 : 28.
(6) جواهر الكلام 41 : 49.
(7) كتاب المكاسب 1 : 64.
(8) كتاب المكاسب 1 : 65.
(9) قواعد الأحكام 2 : 8 ، تذكرة الفقهاء 12 : 144 ، كتاب المكاسب 1 : 65 ، إيضاح الفوائد 4 : 405 .