حكم استماع أصوات آلات اللهو
وصريح المحقق وجماعة حرمة استماع أصوات آلات اللهو. قال في (المستند): وكأنه لصدق الاشتغال المصرح به في رواية الفضل(1)(2).
أقول: قد يناقش في صدق «الاشتغال» على «الاستماع»، لكن لا حاجة إلى التمسك برواية الفضل، بل إن نفس أدلّة حرمة الاستعمال كافية في الدلالة على حرمة الاستماع، لما تقدم من أن الإشتغال بها إنما حرم لأجل التلهي بالصوت والإلتذاذ المحرم الحاصل من ذلك، ولا ريب في حصول ذلك لمستمعه، بل قد يحصل له مالا يحصل لفاعله.
هذا مضافاً إلى قوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا)(3) حيث استشهد به الإمام عليه السلام لحرمة استماع الغناء(4)، وإلى الأخبار الواردة في تحريم خصوص الإستماع.
وهل يحرم السماع كذلك؟ وتظهر الثمرة فيما إذا مرّ على طريق يكون فيه السماع مع إمكان العبور من غيره، فهل يجوز له العبور منه؟ قال في (المستند): لا يحرم، للأصل وعدم صدق الاشتغال، وإن وجب المنع نهياً عن المنكر(5).
أقول: الفرق بين السماع والاستماع واضح، ولكن صدق الاستماع لمن اختار الطريق الموجب للسماع على الطريق الاخر غير الموجب له مع إمكان العبور منه، غير بعيد، فعليه اختيار الطريق الثاني، وكذا لو حضر مجلساً لصديق له مثلاً لا للاستماع فترك الخروج عن المجلس، لم يبعد صدق الاستماع بالنسبة إليه وإن لم يكن بقاؤه في المجلس لأجل الاستماع، كما أن الأحوط لمن سمع صوتاً من بعيد وهو في داره ولم يمكنه النهي أن يسدّ السمع بشيء.
وعلى الجملة، فإن الإحتياط في جميع هذه الموارد ونحوها لازم، لاحتمال صدق الاستماع المحرم على ذلك.
وأما حضور مجلس الإشتغال بالملاهي مع العلم بعدم إمكان المنع وعدم إمكان الخروج، فلا ريب ولا كلام في حرمته، كحرمة حضور مجلس القمار والخمر حتى مع عدم الإشتغال بالملاهي وعدم الإستماع والسماع، بل يحرم حتى على الأصم.
ومن أحكام المسألة: وجوب كسر آلات اللهو أو إتلافها على كلّ متمكن، من باب النهي عن المنكر الذي هو إمساكه واقتناؤه، ولا يضمن به لصاحبه، نعم، يجب عليه في صورة الكسر ردّ المكسور إلى المالك، لأن الواجب إعدام الهيئة فقط.
(1) مستند الشيعة 18 : 172.
(2) يعني خبر الصدوق في عيون الأخبار بأسانيده إلى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون، الذي ذكر فيه الكبائر، و عدّ منها: « الاشتغال بالملاهي ». الوسائل 15/330.
(3) سورة الاسراء 17 : 36.
(4) يعني خبر مسعدة بن زياد قال: « كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل: بأبي أنت وأمي، إني أدخل كنيفاً ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعاً مني لهن. فقال عليه السلام: لا تفعل. فقال الرجل: والله ما آتيهن، إنما هو سماع أسمعه باُذني. فقال عليه السلام: لله أنت أما سمعت الله يقول (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا). فقال: بلى والله لكأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من عربي ولا عجمي، لا جرم إني لا أعود إن شاء الله، وإني استغفر الله. فقال له: قم فاغتسل وصل ما بدا لك، فإنك كنت مقيماً على أمر عظيم، ما كان أسوء حالك لو مت على ذلك… » وسائل الشيعة 3/331.
(5) مستند الشيعة 18 : 172.