تفريع على القول بالإستفاضة:
الفرع الأوّل
(الشاهد بالإستفاضة لا يشهد بالسبب)
قال المحقق قدّس سرّه «الشاهد بالإستفاضة لا يشهد بالسبب»(1).
أقول: إنه على القول بحجية الإستفاضة وثبوت الاُمور المذكورة بها، وجواز الشهادة فيها استناداً إلى الإستفاضة، فإن على الشاهد أن يشهد مستنداً إلى الإستفاضة في ثبوت أصل الملك، وأما أن يشهد بسبب حصول الملك مثل البيع والهبة والإستغنام فلا، لأن السبب المذكور لا يثبت بالإستفاضة، بل الذي يثبت بها هو الامور المخصوصة المذكورة، فلا يجوز للشاهد أن يعزي الملك إلى ذات السبب مع فرض إثباته بالشهادة المستندة إلى الإستفاضة، وإلا كان كاذباً في النسبة المزبورة التي لا طريق له شرعي ولا عرفي إلى تحققها كي يشهد بها.
نعم، له أن يقول: هذا ملك فلان، والناس يقولون انه قد اشتراه مثلاً. فيشهد بأصل الملك جازماً به، ويذكر مستنده في الشهادة بالسبب وهو الشراء.
هذا إذا كان السبب من الامور التي لا تثبت بالإستفاضة.
وأما إذا كان من جملة الامور المخصوصة، كالموت، صحّت شهادته، ولذا قال المحقق:
«أما لو عزاه إلى الميراث صح، لأنه يكون عن الموت الذي يثبت بالإستفاضة»(2).
فإذا سمع الشاهد بالإستفاضة أن هذا ملك زيد ورثه عن أبيه الميت، فله أن يشهد بالملك وسببه، لأنهما يثبتان بالإستفاضة. بخلاف ما إذا سمع مستفيضاً إن هذا الملك لزيد اشتراه من عمرو، فله أن يشهد بالملك المطلق لا بالبيع، لأن البيع لا يثبت بالإستفاضة، فلو فعل ذلك على وجه لا يكون كاذباً كما أشرنا، ففي قبول شهادته بالملك دون السبب وجهان، اختار المحقق الأول حيث قال:
«والفرق تكلّف، لأن الملك إذا ثبت بالإستفاضة لم تقدح الضميمة، مع حصول ما يقتضي جواز الشهادة»(3).
أي: إن الشهادة تسمع حينئذ في الملك وتلغو الضميمة وهي السبب الذي لا يثبت بالإستفاضة، وذلك لوجود المقتضي للقبول في الملك، وهو الإستفاضة دون السبب.
والوجه الثاني هو: عدم القبول، لأنها شهادة واحدة وهي لا تبّعض.
قلت: إذا كانت شهادة واحدة كما إذا قال: هذا ما اشتراه زيد من عمرو، حيث يشهد بالشراء ولازمه ثبوت الملك، أشكل القبول، لأنها شهادة واحدة، وليست شهادة بأمر منضماً إليها أمر آخر، ولأن عدم ثبوت الفصل وهو الشراءيقتضي عدم ثبوت الجنس الذي في ضمنه وهو الملك، والفرض عدم استفاضته إلا به.
قال في (الجواهر): اللهم إلا أن يقال إن ذلك من قبيل السرقة بالنسبة إلى المال دون القطع، ومرجعه إلى إجراء الأحكام صرفاً لا إثبات موضوع(4)(5).
قال في (المسالك): «وتظهر الفائدة فيما لو كان هناك مدّع آخر وله شهود بالملك وسببه من غير استفاضة، فإن بينته ترجح على بينة هذا الذي لم يسمع إلا في المطلق المجرد عن السبب، وفي القسم الأوّل يعني الذي يثبت فيه السبب بالإستفاضة يتكافئان. ولو كانت بيّنة الآخر شاهدة له بالملك المطلق رجحت بيّنة هذا يعني ذي السبب الذي يثبت بالإستفاضة في الأوّل عليه، وكافئت بينة الآخريعني الذي لم يثبت سببها بالإستفاضة في الثاني»(6).
نعم، بناء على أن شهادة البينة جازمة، والشهادة المستندة إلى الإستفاضة بناء على أنها لا تفيد العلم ظنيّة، والظنيّة لا تعارض الجازمة، تكون الاولى هي المرجحة.
(1) شرائع الإسلام 4 : 133.
(2) شرائع الإسلام 4 : 133.
(3) شرائع الإسلام 4 : 133.
(4) جواهر الكلام 41 : 137.
(5) لم يتضح لنا معنى هذا الكلام، وفي السرقة جهتان: حق الناس وقد تقرر ثبوت الحق المالي بشاهد ويمين المدعي، وحق الله وهو الحد، وقد تقرر أن الحد لا يجري إلا بالبينة، وليس في ما نحن فيه جهتان، بل هو الملك مع خصوصية حصوله بالشراء مثلاً لا بالهبة مثلاً.
(6) مسالك الأفهام 14 : 232.